موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ١ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٤
لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض

أشخين ديمرجيان :

 

سقط جندي في ساحة الحرب، بعد أن أُصيب إصابة قاتلة في عموده الفقري، فسقط على ظهره فاقدًا الوعي. وما أن استعاد وعيه حتّى استقرّت عيناه على قبّة السماء وكأنّها خيمة تظلّله، واذا به يتمتم: "ماذا أرى؟ السماء! ما فكّرت فيها أبدًا... كان عليّ أن أقع على ظهري من غير حركة كي أراها الآن وأفكّر في وجودها... لأوّل مرّة..." ثمّ فارق الحياة. (من كتاب "الحرب والسلم"، إحدى أشهر أعمال الكونت أوليو تولستوي - من أعمدة الأدب الروسي في القرن التاسع عشر).

 

وفي أيّامنا هذه ما أكثر الذين يعيشون برؤوس منكّسة إلى الأرض، إلى المادّة والشهوات التي تعمي الأبصار والقلوب. وكم من دول تصادر أراضي دول أخرى وتنهب ثرواتهم. ولكن في زمن معيّن، تتملّص الأرض من أيدي تلك الشعوب الغاشمة، فتلجأ إلى السماء وتنظر إليها مستنجدة، ولكن هيهات! يكون قد تأخّر الوقت ويبقى على المعتدين المغتصبين الحساب العسير أمام ربّ العالمين.

 

نشاهد الإرهاب في بلدان كثيرة، وقد تلوّثت سجلاّت الحكام الظالمين لدى السماوات العليا بالدماء الطاهرة الزكيّة البريئة. ألهذه الدرجة يصبح الإنسان غليظ الرقبة حتّى يتجاهل الجرائم التي اقترفها عن سبق إصرار وترصّد وبدم بارد؟! ولكن كيف سيقف أمام الديّان العادل الذي لا يكيل بمكيالين؟! على سبيل المثال لا الحصر تدافع الأمم المتّحدة عن الظالمين (لأنّهم أقوياء) بدل ردعهم ومحاكمتهم... وبدل الدفاع عن المظلومين. رحم الله تولستوي داعية السلام الذي قال: "إنّ الحرب التي تشنّها دولة على أخرى تعيث فساداً في الأرض وفي الناس أكثر من الفساد الذي تُسبّبه جرائم النهب والقتل".

 

ما أحوجنا إلى خطوة جريئة تُبنى فيها من جديد هيئة دوليّة نزيهة شريفة بدل الأمم المتّحدة، لا تسمح للقوى العظمى باستغلال نفوذها على غير وجه حقّ!" هيئة إصلاحيّة تُسَنّ فيها القوانين لجميع الدول بالسواسية، من غير تمييز. ولا يُطبّق فيها قانون "الخيار والفقوس" أو قوانين المحاباة والمحسوبيات... ومن غير تمييز بين دولة وأخرى ما يؤدّي إلى إحباط الفقوس ويزيد من بطش الخيار له. إنّ معاملة الغرب للدول العربيّة مبنيّة على هذا الأساس البغيض، يُصبح فيها الإرهابي "رجل سلام"، والمظلوم يتعرّض للقتل والسجن وتُجرف أراضيه ويُهدم بيته، ومع ذلك يوصف بالإرهابي حينما يدافع عن حقوقه المشروعة.

 

نبذ تولستوي العنف ونادى بالمقاومة السلمية، وتتربّع روايته "الحرب والسلم" على قمّة الأدب الواقعي، مع رواية أخرى بعنوان "أنّا كارنينا"، وتُقدّم هاتان الروايتان صورة واقعيّة للحياة الروسية في تلك الحقبة الزمنية.

 

غني عن البيان أنّ تولستوي مصلح اجتماعي، وفيلسوف أخلاقي، إضافة إلى أنّه يُعدّ أحد أعظم الروائيين في العالم، وتميّزت آثاره الأدبيّة بعمق تحليله للإنسان ككائن اجتماعي ما جعل لمؤلفاته قيمة حضارية وثقافية. ولعلّ بعض كلماته صدى للأقوال السيّديّة: "لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض حيث يفسد السوس والعثة والآكلة وحيث يسرق السارقون وينهبون، بل اكنزوا لكم كنوزًا في السماء حيث لا سوس ولا آكلة، فحيث يكون كنزكم، هناك يكون قلبكم".

 

خاتمة

 

العدالة ما أحلاها! لكنّها غير موجودة بسبب أنانية الإنسان الذي يفكّر في مصلحته فقط بدءّا من قايين. ويبدو أنّ مشكلة ازدواجيّة المعايير حاضرة دائمًا. والسيّد المسيح نفسه كان قد تكلّم مع الجمع قائلاً لهم في (يو 7: 24)"... احكموا حكمًا عادلاً..."، أقولها للظالم كي يتّعظ وللمظلوم كي يتشدّد.