موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ١٦ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٤
الإنسان المثالي

أشخين ديمرجيان :

 

كلّما فقد الإنسان الإحساس بالإنسانيّة يفقد تبعًا لذلك كلّ معاني الكرامة والحرّيّة والأمان... تُرى، ما هي أبرز صفة في الإنسان الفاضل المثاليّ؟ كانت الإجابات على هذا السؤال كثيرة جداً على مرّ الأجيال. ولكن أحد هذه الأجوبة قيل خمسمائة سنة قبل الميلاد، وفي اعتقادي أنّه كان "بيت القصيد" وأفضل الردود وأهمّها في ذلك العهد.

 

والإجابة التي استوقفتني والتي نحن بصددها اليوم هي تعريف الفيلسوف الصيني "كنفوشيوس" للإنسان: "الإنسان هو ذاك الذي يفكّر بغيره قبل التفكير بنفسه"... فلسفة "كنفوشيوس" قائمة على القيم الأخلاقيّة الشخصيّة وعلى وجود سلطات حكوميّة عادلة تخدم الشعوب بعدالة تطبيقاً لمُثُل أخلاقيّة عُليا. ومذهب كنفوشيوس ليس دينًا إنّما أسلوب حياة. ويُلقّب كنفوشيوس أيضاً بنبيّ الصين. وإن كان ما قاله عن الإنسان الفرديّ صحيحًا، نجد شبيهه في الكتاب المقدّس حيث يُطلب من المؤمن أن "يُحبّ الله ويحب قريبه كنفسه"، غير أنّ رغبة كونفوشيوس في وجود شامل لحكومات عادلة ضرب من الخيال.

 

وبعد كنفوشيوس بقرون طويلة، قام مؤلّف مجهول بتعريف المروءة قائلاً: "الانسان الحقيقيّ هو خادم الله، وسيّد العالم، وسيّد نفسه". هنالك أوصاف كثيرة غيرها، ومتنوّعة، وجميعها تبقى ناقصة، إلاّ إذا شملت واعترفت بالميل الطبيعيّ الذي وضعه الله تعالى في كلّ كائن حيّ: "ذلك الميل الذي يدفع الانسان لأن يعامله غيره كما يحبّ أن يعاملوه".

 

ومهما كان أحدنا -بلا مؤاخذة- فظّاً في علاقاته مع أعضاء عائلته، أو أصدقائه أو معارفه أو عمله، تبقى فسحة الأمل كبيرة، في أن يغيّر ما في داخله، ويهذّب طريقة تعامله مع الآخرين إن أراد ذلك بمحض ارادته، فيتحوّل رويداً رويدا الى إنسان لطيف المعشر محبوباً .

 

باستطاعة كلّ انسان أن يُصبح أقرب الى الكمال والإنسانيّة بكلّ معنى الكلمة  إذا طبّق في حياته  المبدأ الجديد الذي وضعه السيّد المسيح في موعظته على الجبل، حين قال: "وكما تريدون أن يفعل الناس بكم كذلك افعلوا أنتم بهم" (لوقا 6: 31). لكن افعلوا بلا مقابل وبلا تمييز في معاملتكم للّذين تحبّونهم والّذين لا تحبّونهم، لأنّكم "مجّانًا أخذتم (من الربّ) مجانًا أعطوا" (متّى 10: 8). ثمّ يُطمئننا قائلاً: "وأجركم لن يضيع" (متى 10: 42).

 

الإنسان كائن اجتماعيّ بطبعه، وعلاقته مع الآخرين حتميّة، إلاّ إذا عاش منعزلاً في جزيرة نائية مثل "روبنسون كروزو". يحبّ تكوين العلاقات الاجتماعيّة وبناء الصداقات مع أخيه الانسان. وحاجته للتعبيرعن الذات أو في التأثير على محيطه كبيرة.

 

خاتمة

 

الإنسان الأصيل هو الذي يحمل الآراء المميّزة، ويُبيّن ما يدور في نفسه وذهنه وعواطفه بكلّ وضوح وشفافيّة. هو ذاك الذي يرضى الصالح للآخرين وتتّسم معاملاته وسلوكه بالمروءة والآداب القَائمة على محاسن الأَخلاَق والعادات الحميدة. يتصرّف بمروءة وكرامة. يُحسن إلى الناس بماله وعمله، ويُدافع عن الضعفاء والمظلومين بنخوة وشهامة.

 

وقد دعانا الله إلى الكمال والقداسة، وهما قمّة الإنسانيّة. "كونوا قدّيسين"، "إنّما إرادة الله تقديس نفوسكم".