موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ٧ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٤
يسوع ملك الحياة

الأب أثناسيوس شهوان :

 

صورة يسوع الملك مطبوعة في صلب الكتاب المقدَّس، وهي، بخاصَّةٍ، صورة معزِّية ومرعبة في آن، وتحديدًا عندما نقرأها في ما يسمَّى إنجيل الدينونة، عندما يضع الربُّ الخراف عن يمينه والجداء عن يساره، فنقرأ: «يقول الملك للَّذين عن يمينه: تعالوا يا مُبارَكي أبي، رِثُوا الملكوت المُعَدَّ لكم منذ تأسيس العالم» (متَّى 25: 34)، و«يقول أيضًا للَّذين عن اليسار: اذهبُوا عنِّي يا مَلاعين إلى النار الأبديَّة المعَدَّة لإبليس وملائكته» (متَّى 25: 41).

 

وتظهر صورة الملك في أجمل بهائها مع الغالبين على الوحش الشرِّير عدوِّ الإنسان، والَّذين ثبتوا في المسيح بحيث كانوا يرنِّمون: «عظيمة وعجيبة هي أعمالك أيُّها الربُّ الإله القادر على كلِّ شيء! عادلة وحقٌّ هي طُرُقُكَ يا ملك القدِّيسين! مَن لا يخافُك يا ربُّ ويمجِّد اسمك؟ لأنَّك وحدك قدُّوس، لأنَّ جميع الأمم سيأتون ويسجدون أمامك، لأنَّ أحكامك قد أُظهِرَت» (رؤيا 15: 3-4). ويذكر الكتاب بأنَّها ترتيلة موسى النبيِّ بعد أن عبر مع الشعب البحر الأحمر وغرق فرعون وجيشه فيه. وهذا أيضًا ما نرتِّله في مديح والدة الإله: «إفرحي يا بحرًا غرَّقَ فرعون العقليَّ». ولهذا البيت أيقونة رائعة نشاهد فيها والدة الإله تحمل قارورة عليها تصوير للربِّ، ويندلق منها ماء، وتحتها بحر يغرق فيه فرعون الَّذي يبدو بهيئة إبليس.

 

جمال الليتورجيا أنَّها تعطي المعنى الروحيَّ للحدث الكتابيِّ، وتدعو المؤمن إلى التمسُّك بالصلاة والثبات بالمسيح، وتظهر عدم قوَّة الشرِّير أمام المصلِّي والمتَّحد بالربِّ يسوع المسيح. هذا أيضًا ما نرتِّله في طروباريَّة القدِّيسين الشهداء: «شهيدك يا ربُّ بجهاده، نال منك الإكليل غير البالي يا إلـــهنا، لأنَّه أحرز قوَّتك فحطَّم المغتصبين، وسحق بأس الشياطين الَّتي لا قوَّة لها. فبتوسُّلاته أيُّها المسيح الإلـــه خلِّصْ نفوسنا».

 

وجود الربِّ على القارورة هو تأكيد أنَّه المخلِّص الوحيد والغالب والمنتصر. أمَّا وجود والدة الإله فهو تأكيد أيضًا على شفاعتها ومكانتها في الكنيسة. وهذا أيضًا يأتي من صلب ما قالته والدة الإله في نشيدها بعد زيارتها لأليصابات: «تعظِّم نفسي الربَّ، وتبتهج روحي بالله مخلِّصي، لأنَّه نظر إلى اتِّضاع أَمته. فهُوَذا منذ الآن جميع الأجيال تطوِّبني» (لوقا 1: 46-48).

 

بالعودة إلى يسوع الملك، فقد أدرك المسيحيُّون أنَّ يسوع هو «ملك الملوك وربُّ الأرباب» (رؤيا 19: 16) بما معناه أنَّه سيِّد كلِّ شيء في حياتهم ولا يعبدون سواه. ولأنَّ مملكة يسوع ليست من هنا، من هذا العالم الترابيِّ، كما قال الربُّ لبيلاطس، أصبحت شهوة المؤمن المسيحيِّ الحقيقيِّ ملكوت السماوات. هذا ما تُرجِمَ بالصلوات بقوَّة، على سبيل المثال وليس الحصر، عبارة «أورشليم السماويَّة» الَّتي نرتِّلها في صلواتنا.

 

كذلك الفنُّ الكنسيُّ يظهر عظمة الربِّ من القرون الأولى. فمثلًا يوجد نقش من ضريح من القرن الرابع الميلاديِّ محفوظ في متحف الفاتيكان، يُظهر يسوع جالسًا على عرش، وتظهر منه الوسادة، وتحت قدمي الربِّ مسند القدمين، وعن يمينه بولس الرسول وعن يساره بطرس الرسول. كلاهما يشيران بيديهما اليُمنيَين إلى الربِّ كأنَّهما يقولان له: «أنت هو المسيح ابن الله الحيِّ»، ويحملان باليد الأخرى «لَفيفة» أي «رسالة ملفوفة» إشارة إلى بشارة الإنجيل. بولس ذقنه طويلة وبطرس ذقنه قصيرة ومربَّعة بعض الشيء. يسوع في هذا النقش شعره طويل، وحول رأسه هالة القداسة، من دون الصليب الَّذي سنعود نراه داخل الهالة لاحقًا، إشارة إلى صلبه. كذلك لا نشاهد مفاتيح في يد بطرس الرسول، ولا سيفًا، وهي ما ستظهر معه في تصاوير لاحقة.

 

ويوجد في دياميس روما أيضًا في مقبرة القدِّيسَين مارسيلينوس وبطرس جداريَّة من القرن الرابع الميلاديِّ، نشاهد فيها الربَّ بين الرسولين بطرس وبولس، الأوَّل عن يساره والثاني عن يمينه، كلاهما في لباس رومانيٍّ أبيض اللون، ويشيران إلى يسوع بيديهما اليمنيَين. بطرس بلحيته المربَّعة وبولس بلحيته الطويلة. يسوع أيضًا جالس على عرش حيث الوسادة ظاهرة، ويلبس ثوبًا داكنًا ولحيته طويلة. حول رأسه هالة، وعلى يمينه ويساره حرفا A w أي الألف والياء كما أتى في سفر الرؤيا: «أنا هو الألف والياء، البداية والنهاية، يقول الربُّ الكائن والَّذي كان والَّذي يأتي، القادر على كلِّ شيء» (رؤيا 1: 8). يلاحظ الدارسون أنَّ الحرفين يبدوان أكثر وضوحًا من التصوير ككلٍّ، لربَّما يكونان أُضيفا لاحقًا.

 

ودائمًا في الدياميس يوجد جداريَّة من القرن الثالث الميلاديِّ، تُظهر يسوع جالسًا على العرش كإمبراطور رومانيٍّ، وحوله الرسل مثل أعضاء مجلس الشيوخ «senators» حوله.

 

نعم إلهنا ملك الكون، وهذا ما تظهره فسيفساء في رافينا في إيطاليا SAINT VITALIS من القرن السادس الميلاديِّ حيث نرى الربَّ جالسًا على كرة تمثِّل الكون بأسره. وعن يمين الربِّ ويساره ملاكان يحملان صولجانًا لأنَّ سلطتهما من سلطة الربِّ الملك. كيف لا وهو الملك؟! وحول رأسه هالة في داخلها صليب مرصَّع، ولباسه داكن مع خطٍّ عموديٍّ ذهبيِّ اللون. نجد على ثوبه في الأسفل حرف Z في اليونانيَّة، وعلى الأرجح يعني حياة Ζωη. يسوع من دون لحية. يحمل بيده اليمنى تاج الشهادة والظفر للقدِّيس VITALIS وبيده اليسرى لفيفة تضمُّ سبعة أختام كما نقرأ في سفر الرؤيا (الفصل الخامس).

 

القدِّيس موجود عن يمين الملاك، ويداه مغطاتان بقماش لقدسيَّة الحدث. يرتدي برجليه حذاء الجنديَّة لكونه جنديَّ المسيح. بينما الربُّ والملائكة يرتدون صنادل. أمَّا الشخص الَّذي هو عن أقصى يسار الربِّ فيبدو الأسقف، وعلى الأرجح هو الَّذي بنى البازيليك.

 

في الخلاصة، يسوع هو ملك المحبَّة وملك الخلاص، وملك الحياة، لأنَّه هو هو الحياة.

 

إلى الربِّ نطلب.

 


(النشرة اللبنانية)