موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ١٢ أغسطس / آب ٢٠٢٤
في العقل الباطن

أشخين ديمرجيان :

 

يؤكّد خبراء علم النفس أنّ تكوين الصداقات والعلاقات الاجتماعيّة السليمة يخلّص الإنسان من أمراض نفسيّة كثيرة وأهمّها مرض الاكتئاب. أمّا الإنطواء والإنكماش على الذات، بمعنى آخر الإنعزال عن الناس بدل المخالطة فيزيد من حالات الإصابة بالكآبة وغيرها من الاضطرابات النفسيّة. كما أنّ الالتزام الخلقي يحافظ على صحة الإنسان الجسديّة والنفسيّة.

 

ومن أكثر أمراض هذا الدهر وعصر الضلال: "العلل النفسيّة" حينما يميل الإنسان إلى الشرّ ويتّخذها سمة من سماته البشريّة، ويحيد عن تعاليم التوبة ليفسّر كلّ الأمور على هواه ورغبته، ويحبّ ذاته وينسى أو يتناسى وجود الله عزّ وجلّ. كما ورد في (2 تيموثاوس 3: 2-5): "واعلم أنّه ستأتي في الأيام الأخيرة أزمنة عسيرة يكون الناس فيها محبّين لأنفسهم وللمال، صلفين متكبّرين شتّامين، عاصين لوالديهم ناكري الجميل فُجّارًا، لا وُدّ لهم ولا وفاء، نمّامين مُفرطين شرسين أعداء الصلاح، خوّانين مُتهوّرين، أعمتهم الكبرياء، مُحبّين للّذّة أكثر منهم لله، يُظهرون التقوى ولكنّهم يُنكرون قوّتها".

 

في المزمور (13 الآية 3 و4) من سفر المزامير والّتي كتب داود النبي غالبيّتها، ورد ما يلي: "إلى متى (يا ربّ) أُحمّل نفسي الهموم؟ وقلبي الحزن ليلاً ونهارا؟... أنِر عينيّ كي لا أنام نومة الفناء" (من كتاب سفر المزامير تعريب الأب العلاّمة الراحل د. بيتر مدروس). وهناك مزامير أخرى تشجّع المؤمن على أن لا يستسلم لليأس والقنوط،  بمعنى آخر آيات تُذكّرنا بالرجاء أي التفاؤل عن قناعة، ومجابهة الصعوبات بحكمة ورويّة مع الحمد والشكر له تعالى. "والذي ينظر إلى بلوة غيره تهون عليه بلوته" كما نقول بالعامية. أمّا القدّيس بولس رسول الأمم فقد كتب عن أبي المؤمنين إبراهيم خليل الله: "رجاء على غير رجاء" وتبرّر بالإيمان. واختار بولس الرسول إبراهيم بالذات، ولم يختار غيره من الأبرار لأنّ الله اختاره أن يكون أبًا لعدد كثير من الأمم.

 

إن لم يكن الإنسان متفائلاً بحكم مزاجه الطبيعي، فإن هرمون "السيروتونين" يحسّن من صحته النفسيّة فيتغلّب على الاكتئاب، ويمنحه دفعة من المناعة الذاتيّة أمام جميع مسبّبات الاكتئاب ويُشعره براحة الأعصاب. وهناك علاقة وثيقة بين الأطعمة التي نتناولها والشعور بالراحة والسعادة، وبعض ممارسات حياتنا اليوميّة. أولم يقل "أبقراط" الطبيب اليوناني والملقّب "أبو الطب": "ليكن الغذاء هو دواءك، وليكن الطب هو غذاءك"؟ موضحًا ضرورة الاهتمام بالغذاء نظرًا لارتباطه بصحة الإنسان بشكل مباشر.

 

الاكتئاب كما نعلم يؤدّي إلى الأرق والعزلة والإحساس بالحزن والتعب وفي الحالات المتأخّرة التفكير بالانتحار. ويؤكّد الخبراء مفعول بعض الأغذية في تحسين مشاعر الإنسان الإيجابيّة. ومن الأطعمة التي تؤثر إيجابيًّا على حالة الإنسان المزاجيّة الأطعمة المشبعة بالأحماض الدهنيّة "أوميغا3" والتي تعالج عمليّة تدفّق الدم في الأوردة والشرايين ومن ثمّ تهدّىء الأعصاب. وهذه الأحماض موجودة في الأسماك البحرية خاصة السالمون والتونا وأيضًا زيت بذور الكتّان، وتفعّل إفراز هرمون السعادة "السيروتونين" الذي يقاوم الاكتئاب ويقضي على فكرة الانتحار والقلق وعدم انتظام  النوم.

 

وكذلك فيتامين أ وفيتامين ب المركّب والكاروتين الموجودة في أوراق الملوخية، وقد صنع اليابانيّون من الملوخيّة عقاقير مقاومة للاكتئاب. وأيضًا فاكهة الكرز الغنيّة بـ"الأنثوسيانين" وهي بدورها تمنح الإنسان شعوراً كبيراً بالسعادة من خلال تأثيرها على الجهاز العصبي وتنقية الدم، لذلك أطلق عليها العلماء "الأسبرين الطبيعي".  ثمّ ثمار الموز، والقرع الأصفر، والترمس الذي يُعدّ من بين أفضل الأغذية التي تبث في الإنسان روح المرح والغبطة، بسبب زيادة إفراز هرمونات السعادة في الدماغ مثل "السيروتونين". لذلك يفوق الترمس في ميزاته الفول السوداني والمكسّرات والحمّص.

 

 

خاتمة

 

وفي حين قال أحد قدماء الرومان –وهو يوفيناليس- "العقل السليم في الجسم السليم"، يمكن القول: "الجسم السليم من الروح السليمة"، وفي القول صدى لكلمات القدّيس بولس الإناء المختار: "إنّ التقوى تنفع في كلّ شيء إذ لها مواعيد الحياة الحاضرة والآخرة".