موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١١ يوليو / تموز ٢٠٢٤
تأمل الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا: الأحد الخامس عشر من الزمن العادي ب، 2024

بطريرك القدس للاتين :

 

نشهد في مقطع إنجيل اليوم (مرقس 6: 7-13) لحظة مهمة خلال مسيرة يسوع وتلاميذه.

 

بعد أن دعا يسوع تلاميذه لكي يمكثوا معه وعلّمهم عن الملكوت، أرسلهم ليبشروا برسالة السلام والمصالحة لكل من يرغب في سماعها، حتى أولئك الذين لا يدركون أنهم يتوقون لذلك.

 

نلاحظ أولًا أنه في هذا المقطع من الإنجيل، من الواضح أن التلاميذ لم يدركوا تمامًا من هو سيدهم. قبل أسبوعين فقط، وبّخهم يسوع على قلة إيمانهم. ولكن، بعد ذلك مباشرة، أرسلهم يسوع باسمه ومنحهم السلطان الشفاء.

 

لا يرسلهم يسوع كأشخاص يمتلكون المعرفة والفهم الكاملين، وهذا ليس من قبيل الصدفة أو عن طريق الخطأ. فالتلاميذ ليسوا أفرادًا يعرفون كل شيء أو يملكون القدرة على التبشير لكونهم قد فهموا كل ما كان هناك لفهمه.

 

بل على العكس من ذلك، بإمكانهم أن يبشّروا لأنهم لا يتوقفون عن السعي، وهم أنفسهم في مسيرة ولم يتوصلوا إلى حل لكافة شكوكهم ومشاكلهم. إنهم مدعوون باستمرار لتلقي الكلمة قبل أن يتمكنوا من مشاركتها مع الآخرين.

 

ولهذا السبب، عندما يرسلهم يسوع، يشدد بالتحديد على ما لا ينبغي أن يأخذوه معهم (مرقس 6: 8-9).

 

أما الملاحظة الثانية فهي أنه عند الشروع في مهمة ما، من المعتاد أن يولي الفرد الاهتمام بكل ما هو ضروري لنجاحها. فعادةً كلما كان المرء أكثر استعدادًا، كلما زادت احتمالية نجاح المهمة.

 

أما في هذا المقطع، فالعكس صحيح: لكي تنجح المهمة، على التلاميذ أن يذهبوا دون أن يحضروا معهم المؤن المعتادة. فهم ليسوا بحاجة إلى إحضار أي شيء سوى العلاقة التي اختبروها مع يسوع.

 

يستطيع التلاميذ أن يرحلوا لأنهم يسمحون لأنفسهم بأن يكونوا في حالة من الحاجة وعدم اليقين. فهم لا يتعاملون مع الآخرين على أنهم يملكون كل شيء ويعرفون كل شيء، بل كرفاق متواضعين يسيرون في مسيرة مشتركة سعيًا لنيل الخلاص والحياة.

 

إن الانطلاق كأفراد بحاجة إلى القبول هو طريقة ذات مغزى عميق لإعلان الإنجيل: لا يتعلق الأمر بتقديم شيء للآخرين أو تغيير ما هم عليه بالفعل، بل بإحياء الخير الذي أنعم به الآب عليهم، والكامن في أعماق حياتهم. إن إعلان الإنجيل يعني الكشف عن هذا الخير وإظهاره، وخلق الفرصة له ليصبح واقعًا نعيشه.

 

لذلك، فإن المنظور يتغير تمامًا، ويتطلب تواضعًا كبيرًا من التلاميذ: لن يخلصوا العالم بأنفسهم، لكنهم يستطيعون أن يعلنوا أن الخلاص يعمل بالفعل في كل إنسان.

 

إن ثياب المرسلين الذي يتطرق إليه الإنجيل بشكل مطول يحمل أيضًا دلالة رمزية: فالعصا والنعال (مرقس 6: 8-9) يشيران إلى ثياب الشعب الذي خرج من أرض مصر (سفر الخروج 12) ليخطو أولى خطواته نحو الحرية.

 

كما تحمل التوصية بعدم إحضار الخبز (مر 6: 8) التي تدل على الفقر والثقة، رمزًا فصحيًا: ففي الصحراء تكفّل الله بأن يطعم شعبه بالمنّ (سفر الخروج 16). وجميع هذا يدلّ على أن رسالة التلاميذ تنطوي بشكل أساسي على التبشير بالفصح، وأن الحياة التي وهبها الرب يسوع تفتح طريقًا جديدًا للخلاص، ويُدعى كل إنسان إلى سلوكه.

 

يروي إنجيل مرقس مسيرة التلاميذ التي تميّزت كما أشرنا سابقًا بعبورهم بين شواطئ بحر الجليل عدة مرات: الشاطئ اليهودي والشاطئ الوثني (مرقس 6: 32، 34، 45، 53؛ 8: 10، 13).

 

تُعد أفعال العبور هذه محورية في حبكة القصة. كما أنها تحمل أهمية رمزية عميقة: ففي نهاية المطاف، تتمثل مهمة التلاميذ في بناء الجسور بين الثقافات والشعوب المختلفة وتعزيز الحياة الصالحة الخالية من الشرور والقادرة على جعل بذور الإنجيل المثمرة تزدهر في جميع الأنحاء.