موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الجمعة، ٩ مايو / أيار ٢٠٢٥
تأملات الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا: الأحد الرابع من الزمن الفصحي (ج)، 2025

بطريرك القدس للاتين :

 

المقطع الإنجيلي لهذا الأحد والمعروف باسم "الراعي الصالح"، ورد في الفصل العاشر من إنجيل يوحنا، وينقسم إلى قسمين. في القسم الأول (يو 10: 1-18)، يستخدم يسوع صورة الباب والراعي، ويتحدث عن نفسه كمن يعبر الموت ليمنح الحرية والحياة لشعبه. ثم مقطع حواري مع اليهود (يو 10: 22-24)، وبعده يستأنف يسوع كلامه والخاتمة (يو 10: 25-30).

 

المقطع الذي نسمعه في هذا الأحد الرابع من زمن الفصحي (يو 10، 27-30) مأخوذ تحديدًا من الجزء الثاني: فنجد فيه نفس الصور والتعابير التي وردت في باقي الفصل، مثل صورة الخراف التي تسمع صوت الراعي، والراعي الذي يعرف خرافه، وهكذا. لكننا نجد أيضًا بعض المقاطع التي سنتعمق فيها، وبعض الاختلافات، التي سنتوقف عندها.

 

نتوقف أولًا عند فعل يتكرر مرتين في هذه الآيات القليلة، وهو فعل "يَنتَزِع" أو "يَخطَف"؛ "لا يقدر أحد أن ينتزعها من يدي" (يو 10: 28؛ 29). يقول يسوع إن لا أحد يقدر أن ينتزع الخراف من يده، ولا من يد أبيه. وهذا يعني أن هناك من يحاول أن ينتزعنا من يد الرب، من يحاول التدخل ومنع هذه العلاقة. فالعلاقة بين التلميذ والرب لها أعداء، وهؤلاء الأعداء في إنجيل يوحنا لهم أسماء ووجوه محددة.

 

العدو الأول هو الظلمة، أو العتمة، أو الليل، أي المكان الذي يذهب إليه الإنسان ليختبئ من لقاء الرب، لكي لا يجد نفسه أمام الحق. يسوع يأتي كنور، لكن الإنسان أحيانًا يُحب ظلمته أكثر (يو 3: 19)، لأنه لا يريد أن يَدَع نفسه يُخَلَّص، ولا يريد أن يَدَع نفسه يُحَب.

 

العدو الثاني للإنسان، في إنجيل يوحنا، هو الكذب (راجع يو 8: 44). فالكتاب المقدس يُظهر أن الكذب غالبًا ما ينشأ من الإصغاء إلى صوت غريب، لا يمثّل صوت الله. ومنذ البدء، بدأ عدو الإنسان، الذي يُدعى "أبو الكذب"، بزرع صورة مشوَّهة عن الله في قلب الإنسان. وعندما يثق الإنسان بهذه الصورة الكاذبة، ويصدّق كلام العدو، يضلّ الطريق ويبتعد عن الحق.

 

العدو الثالث هو الخطيئة، والتي لا تتعلق – في نظر يوحنا – بزلاتنا الصغيرة أو الكبيرة، بل بعدم الإيمان (راجع يو 16: 8-9)، بعدم قبول الرب في حياتنا.

 

وأخيرًا، العدو الرابع هو الموت، وهو موضوع حاضر بقوة في إنجيل يوحنا. والمقصود هنا ليس الموت الجسدي، بل موت مَن يعيش حياة غير أصيلة، مَن لا يعيش علاقة حقيقية مع الله (راجع يو 8: 24).

 

كل هؤلاء الأعداء لهم سلطة على الإنسان، سلطة استعباده، وأن يمسكوا به في أيديهم. والمأساة أن الإنسان لا يقدر أن يتحرر منهم وحده: هؤلاء الأعداء أقوى منا.

 

أما في مقطع اليوم، فيؤكد يسوع أن كل تلك القوى لم تعد تملك سلطانًا على حياتنا، وأنه لا يوجد شيء قادر على أن يفصلنا عن علاقتنا بالله. فلا أحد يستطيع أن ينتزعنا من يد الآب، لأن العطية التي وهبنا إياها الآب في ابنه المائت والقائم من بين الأموات، هي أعظم من كل شر يمكن أن يواجهه الإنسان في هذا العالم. إنها عطية لا تزول، اجتازت الموت وانتصرَت عليه، ولم يعد هناك من يستطيع الوقوف في وجهها. فهي قادرة أن تصل إلينا في أي زمان ومكان.

 

يسوع، بموته من أجلنا، لم يكتفِ بإزالة الشر بكل مظاهره، بل حوّله إلى فرصة جديدة للقاء به. لم يُبعِده فقط، لأن ذلك الشر كان سيظل يُخيفنا. لقد فعل أكثر من ذلك.

 

الظلمة، الكذب، الخطيئة، والموت أصبحت أماكن عبّر فيها الرب عن محبته الكاملة لنا نحن الخطأة، ونطق فيها بالكلمة النهائية: كلمة رحمته. حتى تلك الأماكن المظلمة لم تعد مغلقة أمام الله، بل أصبحت هي الباب الذي تحدّث عنه يسوع في بداية خطابه (يو 10: 7)، باب الرجاء (راجع هو 2: 15).

 

ما زلنا قادرين على الابتعاد والضياع والتوهان. ولكن حتى في تلك اللحظات، نظل في يد الآب، ضمن إرادته الصالحة.