موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢٦ يونيو / حزيران ٢٠٢٥
من قلب القدس إلى أميركا: نحمل الصليب وسنبقى في أرضنا إلى الأبد
الأب بشار فواضله يصرخ باسم المسيحيين الفلسطينيين "تعالوا وانظروا"

سند ساحلية - نبض الحياة :

 

في قاعة "مركز ماليتوس الثقافي" بمدينة بوسطن بولاية ماساتشوستس الأميركية، وقف الأب بشار فواضله، من كهنة البطريركية اللاتينية في القدس، كاهن رعية المسيح الفادي للاتين في بلدة الطيبة الفلسطينية، أمس، حاملاً وجع أرضه، وصوت شعبه، وشهادة الإيمان المتجذر في أرض القيامة، ليلقي كلمة مؤثرة في الاجتماع السنوي لـ مجلس كنائس ماساتشوستس، حوّلت اللقاء إلى لحظة وجدانية نادرة، أعادت للمجتمع المسيحي الأميركي صورًا غابت عن الإعلام: فلسطين المسيحية تنزف... لكنها لا تستسلم.

 

 

"مساء الخير من القدس... مدينة الله والقيامة"

 

بدأ الأب فواضله كلمته بتحية لا تشبه سواها، تحية مشبعة بالرموز اللاهوتية والوجدانية: "مساء الخير من القدس –المدينة المقدسة... أحييكم بتحية المسيح، المسيح القائم من القبر الفارغ. أحييكم بالسلام – سلام من الأرض التي بدأ منها كل شيء، من أرض لا تزال تبحث عن السلام، لكنها لم تجده بعد."

 

واسترسل: "سلام من القدس، مدينة الله، مدينة القيامة والحياة الجديدة. سلام من رعيتي، ومن الطيبة – البلدة التي زارها يسوع، والتي ذكرها إنجيل يوحنا حين ذهب إلى أفرَيم قبل آلامه وصلبه. الطيبة، التي كانت يومًا ملجأً للمسيح، هي اليوم ليست آمنة لأبنائها، أحفاد الرسل."

 

 

"أنا كاهن وُلد في الانتفاضة... وأُرسل للخدمة في وسط الاحتلال"

 

قدّم الأب فواضله نفسه بكلمات تنضح بالواقعية، لا تحتاج إلى تزيين: "أنا الأب بشار فواضله، كاهن كاثوليكي فلسطيني. وُلدت عام 1987، عام الانتفاضة الأولى. دخلت الإكليريكية في عام 2000، خلال الانتفاضة الثانية. وسُيمت كاهنًا عام 2014 في رام الله، في نفس العام الذي اجتاحت فيه القوات الإسرائيلية المدينة."

 

 

أربعة شهداء الليلة... ونداء إلى أميركا

 

في لحظة صمت مشحونة، قال الأب بشار: "أنا آتٍ من مكان معقّد مليء بالتحديات. مكان تُصادر فيه الحقوق الأساسية. لا حق في التنقل، لا في السفر، لا في التعليم، لا في اللعب. لكي أكون معكم الليلة، اضطررت للسفر عبر الأردن، ورحلتي استغرقت أكثر من 40 ساعة."

 

وتابع: "قبل ساعات فقط، استشهد أربعة شبان في منطقتنا، نتيجة اعتداء جديد من المستوطنين. أُحرقت منازل، ودُمّرت سيارات. هذه ليست أخبارًا من الماضي، بل من الليلة."

 

وأضاف: "من خلالكم، أناشد الحكومة الأميركية والمجتمع الدولي بالتدخل الجاد. نريد فقط أن نعيش بحرية وسلام وعدالة. لا نكره أحدًا بسبب الدين، لكننا نواجه احتلالًا إسرائيليًا يصادر أراضينا، يُرهب عائلاتنا، يُغلق مداخل بلداتنا، ويقتل أبناءنا."

 

 

"رغم كل شيء... نفرح"

 

وسط هذه الصورة القاتمة، نقل الأب فواضله رسالة للحضور قائلا: اننا "نفرح، لأن الرب هو رفيقنا في هذا الطريق. نفرح لأن الفرح أقوى من الحزن، والحياة أقوى من الموت، والسعادة الحقيقية تكمن في العطاء لا في الأخذ... نفرح لأننا نعيش في وطن يسوع – فلسطين. نفرح لأننا نسير في خطواته، لأننا مسيحيون فلسطينيون نحمل الصليب، ونبشّر بالقيامة، ونتبع المسيح إلى الجلجلة."

 

 

"تعالوا وانظروا... زوروا الطيبة"

 

وجه الأب فواضله دعوة مباشرة للحضور، وللكنائس الأميركية: "تعالوا وانظروا. كما قال يسوع لتلميذي يوحنا. زوروا الأرض المقدسة. زوروا الطيبة، البلدة الوحيدة التي كامل سكانها من المسيحيين المتبقية في فلسطين. عددنا 1300 فقط، لكننا نحمل تاريخًا وقداسة لا يمكن أن تُمحى... ولنا أبناء في كل العالم... وللأسف "منذ السابع من أكتوبر 2023، غادرت أكثر من 10 عائلات الطيبة. الاحتلال والحواجز والخوف، هي ما يدفع الناس للرحيل".

 

وأضاف: "في كل مداخل الطيبة اليوم بوابات عسكرية، يسيطر عليها الجنود. كل شيء يمكن أن يُغلق فجأة. نُهاجر ليس بسبب كرهنا لليهود كأشخاص، بل بسبب الاحتلال العسكري الذي يسلب حياتنا".

 

 

الكنيسة تبني الرجاء وتخلق الحياة

 

رغم الألم، ورغم قساوة الواقع حرص الأب فواضله على تسليط الضوء على الوجه المضيء لحياة الكنيسة الفلسطينية. في الطيبة تواصل الرعية بذل الجهود لزرع الأمل وسط الألم. فمنذ اندلاع الحرب على غزة، نجحت الرعية في توفير أكثر من 40 فرصة عمل لأبناء البلدة، وتقديم المساعدات ودعم طلبة المدرسة.

 

كما استعرض عددًا من المبادرات الاجتماعية والإنسانية والروحية التي تحتضنها رعية الطيبة، من بينها: مركز كاريتاس الطبي، ودار المسنين، وأكاديمية الموسيقى، وإذاعة "نبض الحياة"، و"بيت الأمثال"، والإسكان، وفرقة الدبكة التراثية، وأكاديمية كرة القدم، وبيوت الضيافة، بالإضافة إلى مدرسة البطريركية اللاتينية، التي يشكّل الطلبة المسلمون حوالي 70% من مجموع طلابها، في تجسيد حيّ للتعايش المشترك وروح الانفتاح التي تتميز بها البلدة. مؤكدا على العيش المشترك الإسلامي-المسيحي في الطيبة، قائلًا: نعيش معًا، نزور بعضنا، ونُربّي أولادنا على الاحترام والمحبة. وهذا هو جوهر الرسالة المسيحية".

 

وختم الأب فواضله كلمته بثقة نابعة من الجذور: "نحن، المسيحيون الفلسطينيون، لا نخاف من أحد. وسنبقى في أرضنا إلى الأبد".