موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
في صباح هذا اليوم كان لي شرف المشاركة في القداس الإلهي في بازيليك القديس بطرس في حاضرة الفاتيكان بمناسبة الاحتفال بعيد شفيعي روما، القديسين بطرس وبولس، وبالطبع ترأس الذبيحة الإلهية قداسة البابا لاون الرابع عشر. وخلال القداس الاحتفالي المهيب، منح قداسته درع التثبيت لأربع وخمسين (54) من رؤساء الأساقفة الآتين من بلادٍ وجنسياتٍ مختلفة، مُذكراً إياهم بتلك المهمة المرتكزة على رسالة سيدنا يسوع المسيح الخلاصية وهو الذي جعل من القديس بطرس صخرة وأساساً للكنيسة جمعاء حين قال: "وأنا أيضاً اقول لك: أنتَ صخرٌ، وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وقوات الجحيم لن تقوى عليها" (متى 16: 18).
وكما يعلم الجميع، فالقديسين بطرس وبولس تركا الأرض المقدسة ليُبشرا بالإنجيل إلى الخلق أجمعين ليُتمموا وصية الرب يسوع عندما قال للتلاميذ: "إذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها" (متى 16: 15). وفي اتمامهم لوصية سيدنا وفادينا، بذلوا حياتهم مُستشهدين على مذابح مدينة روما في عصر الإمبراطور نيرون وعلى دمائهم بُنيت كنيسة روما العظيمة. لذلك، فالكنيسة جمعاء تعيش في هذا وحدة المصير والشراكة بين الحبر الأعظم والكنائس المحلية، ومن خلال الاساقفة والإكليروس، تبقى الصخرة ثابتة نحو وحدة الإيمان وقوة الكنيسة.
وفي مشاهدتي اليوم لتقديم قداسته البركة الحبريّة لكل إسقف على حدة، انتابني شعور بالحزن والضيق إذ وعيتُ بأن كنيسة روما اليوم لم تعطي البركة لأي اسقف قادم من الشرق المسيحي، هذا الشرق الذي ينزف جرحاً، وأبناءه المؤمنون يستشهدون في غزة وسوريا ولبنان والعراق، إلخ. وهم يسيرون على خطى القديسين بطرس وبولس. أقول قولي هذا، وقد شاركت في الأعوام السابقة في عدة احتفالات إلهية ومناسبات عدة، ومنها مباركة الحبر الأعظم لأساقفةٍ وكرادلةٍ من بلاد الله الواسعة، ولكن الغائب الأكبر في كل هذا هو شرقنا الحبيب، الذي منه انطلقت شرارة البشارة إلى أركان الأرض كلها. وكما هو الحال في دوائر دولة الفاتيكان، وهي كثيرة، فنادراً ما تلتقي بمسؤول كبير من الشرق العربي منبع المسيحية ووطنها. أنوه لهذه الملاحظة، وأنا عابر سبيل، مع إدراكي التام لواقع مسيحيي الشرق الأليم في هذه الحقبة كما في حقبٍ خلت، هذا الشرق الذي شهد ولادة وبزوغ المسيحية لتنتشر رسالة المسيح إلى العالم أجمع.
إن كنيسة الشرق اليوم تعيش واقعها المرير في مواجهة مستمرة لغطرسة هيرودس وقوى الظلام التي تزرع الخوف والرعب في قلوب أهل البلاد الأصليين لدفعهم إلى الهجرة القصرية. لذلك وفي رسالتي هذه، أقول لآبائنا الأجلاء إن صوتكم، هو صوت الحق ووجب أن يُسمع، وإن نطقتم بكلمة الحق، فهذا لا يعني أبداً الخروج عن الطاعة، لا بل تصويب وُجهة "سفينة" ربنا يسوع المسيح نحو العدالة والسلام والشراكة الحقيقية ووحدة الكلمة والمصير.
في عظته اليوم قال البابا لاون الرابع عشر، وهنا أقتبس: "في خبرة التلمذة هناك دائماً خطر أن تقع في العادة، وفي الطقوس المتشددة، وفي نماذج رعوية تتكرر دون أن تتجدد ودون أن تواجه تحديات الحاضر". وهنا أعي دعوةً من قداسته للتجديد وإسماع صوت من ليس له صوت، ودعوة صريحة لتواجه كنيسة الشرق التحديات الحقيقية التي تواجهها وإسماع صوتها لأسقف روما، عاملين على إنقاذ الوجود والحضور المسيحي في الأرض المقدسة، وفي حدود الشرق العربي بأكمله، مستذكرين كلمة قداسة البابا فرنسيس عندما قال بأنه لا وجود للشرق الأوسط دون مسيحيي الشرق الأوسط.