موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ٢ ابريل / نيسان ٢٠٢٣
أحد "النخل" رمز النصر والخلود

أشخين ديمرجيان :

 

تحتفل الكنيسة بعيد الشعانين، وهو رمز لدخول المسيح إلى أوروشالم زهرة المدائن، منتصراً بالمحبّة على الأنانية والظلم. ولمّا دخل أوروشالم ارتجّت المدينة كلّها قائلة "مَن هذا" ؟ فقالت الجموع: "هذا يسوع النّبيّ الذي من ناصرة الجليل"  (متّى 21 : 9-11). 

 

استقبله الجمهور الغفير بحفاوة، ملوّحين له بسعف النخل وأغصان الزيتون لشدّة فرحهم بقدومه وابتهاجهم، وكانوا يسبّحون الله ويشكرون المسيح على المعجزات الكثيرة التي صنعها، كما وأقام صديقه لعازر من الموت بعد أربعة أيام من دفنه في بيت عنيا، العيزرية اليوم... ففرشوا له الأرض بثيابهم وبأغصان الشجر، رافعين إلى السماء تهاليل من الثناء، وتراتيل من الدعاء مرنّمين: "تبارك الآتي باسم الربّ ! خلّصنا يا رب!"

 

إنّ دخول المسيح إلى زهرة المدائن تتمّة لنبوءات وردت في العهد القديم في سفر زكريا النبي. وأيضاً تتمّة لنبوءة ملاخي القائلة: "ويأتي فجأة إلى هيكله السيّد الذي تلتمسونه، وملاك العهد الذي ترتضون به" (ملاخي1:3). كما أنّ عادة فرش الثياب وأغصان الشجر في الطريق كانت متّبعة في العالم  القديم. وهي تقليد يرمز إلى المحبّة والولاء.

 

ويذكر الكتاب المقدّس في سفر الملوك الثاني، أنّ الجموع أسرعت، وأخذ كل رجل رداءه وبسطه على الطريق، وقطع غيرهم أغصان الشجر وفرشوا بها الطريق أمام "ياهو" أحد رجال العهد القديم، عندما نصّب نفسه ملكاً (2ملوك13:9) (متّى 21 :8). وأيضاً عندما دخل سمعان المكابي قائد ثورة المكابيين أوروشالم، بعد انتصاراته على الحاكم "أنتيخوس أبيفانوس" سنة 175 قبل الميلاد.

 

دخل السيّد المسيح المدينة راكباً على جحش ابن أتان ، كما ورد في الانجيل الطاهر. وكان هدفه من ذلك أن يغيّر الصورة الخياليّة المطبوعة في ذهن اليهود، مُعتقدين أنّ المسيح المُنتَظَر سيأتي كملك شديد البطش وسوف يحرّر الشعب اليهودي من حكم الرومان، وينصر الأمّة اليهوديّة ويؤسّس مملكة عنصرية عبريّة فوقيّة على الأرض تدوس الأمم - وهذه الصورة موجودة في ذهنهم إلى اليوم.

 

عندما تضايق الفرّيسيّون من الشهرة التي نالها المسيح وأكل الغيظ قلوبهم، طلبوا من السيّد المسيح أن ينتهر الجموع، ويُسكِت الأطفال والكبار الذين كانوا يهتفون له ويمدحونه ويشكرونه، إذ أدركوا أنّه المسيح المُرسَل منه تعالى، فأجاب: "أقول لكم: لو سَكَتَ هؤلاء، لَهَتَفَتِ الحِجارَة!" (لو 19: 40).

 

ترمز سعف النخل إضافة إلى النصر، إلى المثابرة، بسبب صلابة عودها، وإلى خلود الروح لأنها دائمة الخضرة. ومن صفاتها الرئيسيّة توفير الحماية والوئام في المجتمعات المشحونة بالقلاقل وكثرة  الاضطرابات. واستخدم الرومان سعف النخل في حدائقهم، وصنعوا منها أشكالاً منوّعة من الحيوانات، وأدوات موسيقيّة مثل المزمار والناي، نظرًا لمتانتها واتّساقها. وفي كثير من الكنائس، يتركّز الاحتفال بأربعاء الرماد حول الرماد المتبقّي من فروع النخيل التي استُخدمت يوم أحد الشعانين.  والرماد تذكير في التقاليد المسيحيّة بأنّ الإنسان من "رماد وإلى رماد يعود". ويُمكننا القول أنّ النخل علامة على الإيمان بالقيامة. ورمز للنقاء ولحياة أبديّة لا نهاية لها. وهو إشارة إلى الانتصار في سفر الرؤيا.وغني عن الذكر أنّ  أغصان الزيتون ترمز إلى السلام.

 

 

خاتمة

 

وما من شيء يمنع الناس من أن يجدوا في المسيح مصدر فرحهم الحقيقيّ الذي يبقى ويفيض بالسلام؛ لأنّه وحده يخلِّص النفوس من سلاسل الخطيئة والموت والخوف والحزن. نضرع إليه تعالى أن يخلّص زهرة المدائن وسكّانها من نار العبوديّة ونير الظلم ... ويخلّص جميع الأمم المقهورة من قراصنة الحروب ومدمّري الحضارات وناهبي الأراضي وناسفي العدالة، آمين!

 

مع الشكر لهذا المنبر الأغرّ، تهنئة لجميع المحتفلين بأحد الشعانين، وكلّ عام وأنتم بخير!