موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ١ مايو / أيار ٢٠٢٥
في يوم النور... نور القيامة المجيدة

أشخين ديمرجيان :

 

في هذا العالم البشع حيث قبور الجشع تبعث في القلوب أحاسيس الهلع، يصحبها انعدام المبادىء الأخلاقيّة وانشقاق حجاب الانسانيّة، نُصادف مُستنكرين كلّ ما هو منافٍ للتعاليم السماويّة. ونتساءل ما العمل؟ هل نستسلم وندخل قبور الظلمات؟ أم نستكين لانحلالات لاأخلاقيّة تُرهق المبادىء في جوانحنا وتبعث الحزن في قلوبنا؟ وتعجز في التعبير عنها الكلمات.

 

 

لا! لن نستكين!

 

فنور القيامة يُضيء دروبنا بالرجاء، ويبدّد عنّا ما يراودنا من كوابيس الفناء... لقد وهب لَنا تعالى حياة جديدة بفيض نعمته، وقيامة جديدة بوحي كلمته... وحّدَنا سبحانه بذاته الالهيّة، وغيّر منّا النفوس بلمسته الربّانيّة!

 

قيامة المسيح المجيدة والحقيقيّة! أراقت كلّ أوجاعنا في كأس آلامه، وفتحت أبواب الفردوس بحنوّه ورأفته.

 

لقد تكرّمَ أن يبني في كياننا هيكله الحيّ ، وأن يزرع في أفئدتنا بذور محبّته...

 

أمرٌ عجيب؟! ما أشبه قلوبنا بقلوب تلاميذ المسيح، أي بطرس وسائر الرسل، يلعب بنا الخوف والقلق والإنكار. وأحيانًا مثل يهوذا تُصبح قلوبنا كالأحجار، وتتحوّل للخيانة والجحود واليأس بؤرة ملؤها الأجحار.

 

قيامة السيّد المسيح المجيدة جوهر حياتنا، فهي من نير العبوديّة تخلّصنا، ومن ظلمات الموت إلى أنوار الجنّة المتألّقة تقودنا. لقد حوّلَت القيامة الى هناءة يأسنا والى أفراح أبديّة أحزاننا!

 

صراع النور والديجور

 

تَرافق موت يسوع عشيّة تسليمه الروح  كإنسان، مع حوادث خارقة الطبيعة على ما تذكره الأناجيل المقدّسة. وبات الجلاّدون في خلاف ونزاع، واختبروا كثيراً من الذعر والصراع... اختبروا صراع الموت والحياة والنور والديجور... لقد انشقّ حجاب الهيكل، وأظلمت الأرض، واحتجبت الشمس تحقيقًا لنبؤة (عاموس 8 :9): "ويكون في ذلك اليوم، يقول السيّد الرب، أنّي أحجب الشمس في الظهر وأقتم الأرض في يوم نور".

 

وهكذا أعلنَت الشمس حدادها حزناً على المسيح... وخيّم ظلام الموت لا محال... سادت العتمة وهرول الضباب وماجت الأرض بزلزال ... وتفتّحت قبور وقام الموتى في احتفال ... ومنهم: موسى وايليا وسائر الأنبياء الذين كانوا ينتظرون المسيح من دهور وأجيال...

 

 

هل من رجاء؟

 

أقرأ في الانجيل الطاهر: هذا بيلاطس وذاك قيافا وجميع المتآمرين على المسيح من كتبة وفريسيين... وينظر الجلاّدون الى المسيح رجل الآلام وهو يتمايل كالغصن... ويترنّح تحت سياط الجلد ثمّ يبلعه الرّيح... ويفقد أتباعه الأمل فيه لأنّه مُصابٌ جريح... ها هو جثة هامدة في الّلحد بعد أن أسلم الروح ، ونسي أتباعه ، ما عدا السيّدة العذراء ونفر من النسوة ، كلّ ما كان به يبوح من تعاليم عن القيامة بعد مرور ثلاثة أيام، على تسليمه الروح...

 

 

الإنسان من النسيان

 

وغابت أقواله عن أذهانهم... ولم تبقَ أحاديثه حيّة في ذاكرتهم... لذلك ما حلموا بأنّه سيحظى بالقيامة في اليوم الثالث... ومن شدّة اليأس ارتفع عويل أتباع المسيح إلى العلاء، وشقّ حزنهم عنان السّماء... وكانت لبكائهم أصداء... وخافوا من الضياع... وسط جموع غوغاء... وأطلقوا صرخات نواح... والحكم عليه جائز مُباح...

 

 

نور القيامة

 

أمّا أنا فأسرعتُ الخطى مثل المريمات، مع بشائر الصباح... فتبدّد حزني بنور القيامة وأشرقَ مجد الأفراح! السيّد المسيح على الموت ظافر وما عاد له قاهر! ينظر إلى عالمنا الصغير فيتعزّى به خلقٌ كثير... يواسي كلّ مَن أثخنته الجراح وأهلكه النّواح. ويمسح كلّ عين تسكب دمعة ألم... ويُطيّب خاطر من ذاق مرّ العلقم... وينشل التائه الغريق في بحور العدم... ويسقيه للشفاء أحلى وأشهى بلسم...

 

 

وينظر المسيح اليوم

 

بتعمّق وألم في هموم البشر وويلاتهم: هنا الثكالى والجياع، وهناك الطفولة في ضياع... هنا التآمر على الفقراء... يتلوّن ببسمة صفراء... في قلوب باتت جوفاء... وعيون تنظر باستهزاء، بل تنظر بازدراء... ويحزن المسيح لصمت البشريّة، لصمت ذوي النفوذ والخيلاء... العالم في سكون حزين... يملؤه حقد دفين...

 

والشعب المقهور يتساءل ومن الهمّ يتململ: "لماذا تأكلنا الآلام؟ وتنهشُنا الأيّام؟ لماذا يُذِلّنا حكّام وتُخيفُنا الأحلام؟ ويهجرُنا الأحباب ويتركنا الصّحاب؟ لمَ نتحوّل إلى سراب؟ وتتحطّم آمالنا العِذاب؟ وتُضحي قلوبنا نغمة كسير؟ وتضيع أفراحنا على أجنحة الأثير، وإلى البعيد تطير؟....

 

 

رجاء القيامة المجيدة

 

وهكذا تتالّم الجموع... وفجأة يلوح على السحاب يسوع... بأبدع هيأة سماويّة.. بنور مجده بهيّا وبقيامته سنيّا: "أنا هو لا تخافوا! رفيقكم أنا أثبتوا.. لقد تمّ كلّ شيء... بموتي حللتُ قيود الموتَ وأعتقتكم، ومن عبوديّة الخطيئة حرّرتكم...

 

هلّلوا ورنّموا أحلى دعاء... وارفعوا قلوبكم الى العلاء، الى مَن لا يغفل عن النداء! أهب لكم خلاصًا ورجاء! بلا حدود  بلا انتهاء ! اشكروا الربّ الكريم ، فرحمته تدوم طول البقاء بلا انقضاء!

 

وكلّ عام وأنتم بخير! المسيح قام! هللويا!