موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
في حياتنا اليومية، تظهر الأخلاقيات في أبسط المواقف وأصغر التفاصيل، بعيدًا عن الشعارات الكبرى والخطابات الرنانة.
فالأخلاق ليست كلمات، بل مواقف حقيقية يعيشها الإنسان، حين يختار أن يكون أمينًا مع نفسه ومع الآخرين، حتى عندما يكون الكذب أسهل والطريق الملتوي أكثر إغراءً.
الصدق لا يعني فقط أن نقول الحقيقة، بل أن نعيشها. أن نحترم عقول الآخرين فلا نخدعهم، وأن نحترم أنفسنا فلا نلوث ضمائرنا بالزيف.
إن الصدق يظهر حين يطلب منك أحدهم رأيًا، فتقول الحق وإن كان صعبًا. يظهر حين تسنح لك فرصة خيانة أمانة، فترفض بدافع الإيمان بأن الأمانة ليست خيارًا بل واجبًا.
وتتجلى الأخلاقيات حين نتمسك بالمبادئ وقت الشدة، لا وقت الراحة. حين يضيق الحال، وتكثر المغريات، وتبقى أنت متمسكًا بوعدك وعهدك، لا لأن الظروف سهلة، بل لأنك تؤمن أن القيمة الحقيقية للإنسان تُقاس بموقفه وقت الضيق.
وكما يقال: "الزمن لو قسى، نبقى أوفياء، لا لأن الحياة سهلة، بل لأن الأخلاق تفرض ذلك."
فلا يكفي أن يظهر الإنسان فاضلًا حين تراقبه العيون، بل تتجلى حقيقته حين يعمل في الخفاء، حين يملك حرية الخيار دون رقيب.
قد يخون البعض الأمانة تحت ذريعة الحاجة، كما قد تخون امرأة زوجها بدعوى العوز، وقد يغش تاجر بحجة الظلم. لكن مهما كثرت المبررات، يبقى الفعل مرآة الأخلاق، ولا تبرر الحاجة سقوط المبدأ.
كل يوم أمامنا فرصة لاختيار الطريق الذي نبني به أنفسنا ومجتمعنا، أن نكون صادقين، مخلصين أو أن نتهاون ونغرق مع التيار. وكل اختيار، مهما بدا بسيطًا، يرسم ملامح أرواحنا ويحدد أثرنا في هذه الحياة.
ليست الأخلاق مجرد زينة اجتماعية نرتديها عند الحاجة، بل هي نبض حياتنا، وسر سعادتنا الحقيقية. والصدق هو أول خيط في نسيج الأخلاق، فمن غاب عنه الصدق، تفككت كل فضائله الأخرى.