موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ١٣ ابريل / نيسان ٢٠٢٥
كنيسة اللاتين في الطيبة تحتفل بالشعانين: حين يصير التطواف صلاة شعبٍ لم ينكسر

سند ساحلية :

 

"نهتف: هوشعنا! ليس من فائض الفرح، بل من شدة الرجاء. نهتف: مبارك الآتي باسم الرب! لعل صوته يعلو فوق صوت المدافع. نهتف: خلّصنا يا رب! من كل ما فينا من عوائق، من خطايا، من شرور، ومن كل ما في بلادنا من احتلال، ومن كل ما فيها من قهرٍ، ومن قتلٍ، ودمار، وتشريد، وتجويع، ولجوء. خلّصنا يا رب، لأننا تعبنا، لكننا لم نيأس."

 

بهذا الرجاء المثقل بالألم، استهل الأب بشار فواضله، كاهن رعية المسيح الفادي للاتين في بلدة الطيبة، عظة أحد الشعانين خلال القداس الاحتفالي الذي جمع أبناء الرعية، والذين جاؤوا ليعلنوا إيمانهم ويتمسكوا برجائهم، رغم ما يثقل كاهلهم من أحزانٍ وهموم.

 

انطلقت مراسم الاحتفال في ساحة الكنيسة، حيث بارك الأب بشار أغصان الزيتون بالماء المقدس، لتُوزع على المؤمنين، كرمز للسلام الذي لا يزال بعيدًا عن فلسطين أرض السلام. حمل الحاضرون الأغصان كما فعل الأطفال يوم دخل يسوع أورشليم، لا راكبًا على جواد حرب وبموكب ملوك الأرض، بل راكبًا جحشًا متواضعًا، ليُظهر أن الملكوت لا يحتاج سيوفًا، بل قلوبًا تهتف بالحب.

 

في عظته، شدد الأب بشار على أن "أحد الشعانين ليس مجرد يوم في الروزنامة الكنسية، بل هو لحظة عبور نحو العمق، نحو الصليب، نحو القيامة". وأضاف بأن يسوع لا يدخل أورشليم فقط، بل يقتحم جراح هذا الوطن، "يقترب من كل بيت فلسطيني، من كل قرية أنهكها الحصار، من كل أم تنتظر ابنها خلف الركام".

وتابع قائلاً: "إنه يوم الدخول مع يسوع، لا دخول القوّة، بل دخول انتصار الحب، وانتعاش الثقة، وتجديد الرجاء". ففي هذا الزمن الذي تمزّقه أخبار القصف والتشريد، وفي ظل استمرار الحرب في غزة وتصاعد التوترات في الضفة الغربية، يعلو صوت الكنيسة مجددًا لتعلن أن يسوع لا يزال في وسطنا، حاملاً معنا الألم، وموزعًا الرجاء.

 

وفي تأمل مؤثر، أشار الأب بشار إلى أن يسوع لا يطلب منا إلا خطوة، لنكتشف أنه يسبقنا بخطوات نحو قلوبنا، نحو تعبنا، نحو مخاوفنا، حتى حين يخذلنا اليقين.

ومع ختام القداس، وجّه الأب بشار دعوة صادقة إلى المؤمنين: "احملوا يسوع في قلوبكم بعد أن حملتموه على الأغصان. كل من يراكم، فليَرَ فيه يسوع. كل من يسمع صوتكم، فليسمع فيه صوته. القدس ليست فقط مدينة، بل هي قلب كل مؤمن، هي أنا، هي أنت، هي نحن جميعًا". كلمات حملت شوقًا لأن تتحول بيوتنا الجريحة إلى أورشليم جديدة، تسكنها المحبة الحقيقية، حتى ولو تآمر عليها الظلام.

 

وفي نهاية القداس، خرج المؤمنون في تطواف أحد الشعانين التقليدي، رافعين أغصان الزيتون وسعف النخيل، يهتفون "هوشعنا في الأعالي!"، بأصوات ملؤها الرجاء المتجدد، وإيمان لا ينكسر، حتى وسط الدموع. كان المشهد أكثر من طقس، كان صلاة تمشي على الأقدام، وترفع القلب، وتقول للسماء: ما زلنا نؤمن… ما زلنا نحب… وما زلنا ننتظر.