موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
برحيل البابا فرنسيس، تطوى صفحة حبرية استثنائية اتّسمت بالتواضع والإنفتاح على العالم، لكنها أيضًا تركت ملفات ساخنة بلا حسم، وبينما تتجه أنظار الكنيسة الكاثوليكية إلى المجمع الذي سيختار خليفة بطرس الجديد، يقف الشرق المسيحي أمام مفترق مصيري ويتساءل فيه: هل سيحمل البابا القادم وجع الشرق في قلبه؟ فالشرق ليس طرفًا بل جوهر الرسالة.
رغم التحديات الجغرافية والسياسية والديموغرافية، يبقى الشرق –المهد الأول للمسيحية– ركيزة روحيّة لا يمكن تجاوزها. في عهد البابا فرنسيس استعاد هذا الشرق بعضًا من مكانته من خلال زيارات راعويّة تاريخيّة كان أولها إلى الأردن وفلسطين (2014)، ثمّ مصر (2017)، الإمارات (2019)، المغرب (2019)، العراق (2021)، البحرين (2022)، ووجّه نداءات على مختلف المنابر من أجل وقف الحروب وصنع السلام ونشر الحوار. لكن الحقيقة المؤلمة أن الألم ظلّ أكبر من الخطاب!
وتاليًا خمس قضايا تنتظر إجابات جريئة من البابا الجديد للمرحلة القادمة والتي تعتبر مفصلية في تاريخ الشرق،
وهي:
1. الحضور المسيحي المهدَّد: الوجود المسيحي في الشرق يتآكل تحت ضغط الحروب والهجرة والتهميش، وبات الأمر يتطلب "خطة بابويّة" طارئة لحماية ما تبقّى من الجماعات المسيحية، وتعزيز صمودها في أوطانها الأصليّة بعيدًا عن الخطابات البروتوكولية.
2. تجديد الحوار الإسلامي–المسيحي :الشرق مساحة تاريخيّة للعيش المشترك بين الأديان، لكن خطاب الكراهية يتسلل من بوّابات السياسة والمصالح. إنّ البابا القادم مُطالب بتعزيز حوار صادق ومستدام مع الإسلام، يُترجم إلى مبادرات تعليميّة، إعلاميّة، ومجتمعيّة، لا مجرد بيانات مشتركة.
3. وحدة الكنائس على الأرض الواحدة :الإنقسامات الكنسيّة بين الكنائس المشرقيّة تهدّد الرسالة الكنسيّة ذاتها، فالشرق بحاجة إلى بابا صاحب رؤية مسكونيّة حقيقية، يكسر حواجز الانقسام ويعمل على لاهوت وحدة يليق بأرض الشهداء والأنبياء.
4. ملف اللاجئين والمهجّرين: بعد سنوات من النزوح والحروب، ما زال ملايين المهجّرين دون أفق واضح، والكنيسة مدعوة إلى موقف يُلزم المجتمع الدولي إلى حماية الكرامة الإنسانيّة، وفي المطالبة بحقوق عادلة للاجئين في الشرق والمهجر.
5. صوت في وجه الظلم :لا شرق بلا عدالة. المطلوب من البابا القادم أنّ يُجسّد صوت المقهورين، وأن يُعيد للكرسي الرسولي دوره التاريخي كحارسٍ للضمير الإنساني، وفي مطالبة المجتمعات الدوليّة بنشر العدالة والسلام والاستقرار.
لا أحد ينكر دور البابوات السابقين في أحداث التغيير الحقيقي في مجتمعات العالم لمختلف القضايا، خاصة في مجتمعاتنا، فقد جاهدوا لتحقيق أهداف كبيرة، وسعوا بكل طاقاتهم لتقديم أفضل القيم وتفعيلها وتطبيقها. فالشرق يحتاج بابا يحمل سلاح الضمير والحق، يصرخ من على أبواب القدس ودمشق وبغداد: "قوموا! هذا زمان الحياة، لا الموت".
في زمنٍ مفصلي كالذي نعيشه، لم تعد الكنيسة تملك ترف الحِياد ولا الشرق يحتمل مزيدًا من الصمت. فهل يكون البابا القادم صوت الرجاء الجديد؟
هذا ما ينتظره الشرق، والعالم كله أيضًا.