موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
يصحو العشاق صبيحة الرابع عشر من شباط في كل عام جذلين مسرورين. كيف لا واليوم عيدهم السعيد المتزامن مع عيد فالنتاين. ويسر في هذا اليوم بائعو الورود متسابقين على فتح محلاتهم التجارية مزينين الورود بطريقة جذابة ومبهرة، مع إعطاء الورود الحمراء أولوية الظهور أمام الأعين. فيما يتهافت أصحاب المكتبات على عرض آخر صرعة توصل لها العقل ببطاقات معايدة خاصة في عيد شفيع العاشقين... فالنتاين.
ولكن من هو فالنتاين؟ وكيف بدأ الاحتفال بعيده على هذا النحو؟
عاش القديس فالنتاين الأسقف في روما في القرن الثالث للميلاد. صابا ملء وقته على التبشير العالم بمحبة الله الخلاقة. ولما كان الرومان حينذاك يعتقدون بأن لا إله إلا قيصر، وله وحده يحق الإكرام والمجد. أمر الحاكم كلاوديوس بسجن فالنتاين أسوة بالعديد من إخوته في الإيمان. حيث كانت المسيحية آنذاك تمر بفترة اضطهادات عصيبة. ووضع فالنتاين تحت مراقبة شريف روماني كان له ابنة عمياء أعاد إليها فالنتاين البصر. لكن ذلك لم يكفِ ليكفّ القيصر شرّه عنه. فقضى فلنتاين نحبه حرقًا. فصار بذلك شهيد الإيمان والمحبة.
وقبل ذلك وإبان فترة الحبس كان فالنتاين يستقبل في زنزانته جماعات من الخاطبين، فيمنحهم سر الزواج بحسب تعاليم الديانة المسيحية. وتورد روايات عديدة كذلك وجود كوّة صغيرة تطل من الحبس على الشارع العام. فكان محبّو القديس يقفون تحتها وينادون عليه. ولما كان متعذرًا عليه رؤيتهم كان يرمي عليهم بقصاصات ورق كان يخط عليها آيات كثيرة تتحدّث عن محبة الله ويمهرها بتوقيعه: "بإخلاص أبيكم الذي يحبكم".
أما تحديد العيد في 14 شباط، فمبني على عيد وثني لدى الرومان يدعى (لوبركالا) وكانوا فيه يستذكرون (فاونس) أحد آلهة الخصب لديهم. وقد بقي هذا العيد قائمًا حتى القرن الخامس للميلاد عندما ابتدأ الناس يعيّدون للحب باسم فالنتاين، شهيد المحبة الالهية.
القديس فالنتاين، شهيد المحبة
ومع هذا السمو في المحبة المستمدة من حياة هذا القديس الجليل. وفيما تنفرج اليوم أسارير بائعي الورود الحمراء وتغص الفنادق والقاعات الكبرى بجماهير العشاق المحتفلين بعيدهم، نتوجه بدورنا إلى فالنتاين ونقول له: كم نحن بحاجة إليك يا "فالنتينو"! لأن جلّ ما يحتاجه عالم اليوم هو قديس ينادي بالمحبة ويعمل على فتح قلوب الناس على مصراعيها لها. فليس ما نعيشه باسم الحب سوى تفضيل مصالح شخصية على المصالح العامة والتركيز على لمعان القرش أكثر من نظافة القلب. أجل كم نحن بحاجة إليك وإلى محبتك السامية التي لا يشوبها شك. نقول هذا ونقدم لك اعتذارنا الصادق لما آلت إليه احتفالاتنا بعيدك. فالنظرة الاستهلاكية والتجارية هي المغلبة على الأفراح المتسربلة بثوبك، وما هو على مقاسها. بينما أمست المحبة فتاة مسكينة تسير وحيدة في الشارع تشحد لقمة خبز. وتسائل المارة والعشاق هل فعلا ما نقوم به باسمها هو محبة؟ ونعتذر منك على تقليص المحبة ببعض مظاهر خارجية وإن كانت صادقة في تعبيراتها. لكن المحبة أكبر من هذا كله. وهي كما يقول الكتاب المقدس "قوية كالموت لهيبها لهيب نار فمن يستطيع أمام حرها صمودًا"؟
وفي الوقت ذاته اسمح لي أيها القديس المنسي. أن أقدم اعتذارًا لإخوتي العشاق. فلربما يأتي ما يقومون به اليوم من أفراح واحتفالات نبيلاً وصادقًا في التعبير عن مكنونات قلوبهم. ولكنها دعوة مجانيّة أبثها لنتذكر أن المحبة ليست مقتصرة على يوم في السنة وليست محدّدة في وردة نقدّمها لحبيب، ولا تلبث أن تذبل. بل هي كتاب مفتوح نعمل على صياغته سطرًا بعد سطر. ومشروع حياة نعمل على بلورته يومًا بعد يوم، ونفَسًا بعد نفَس. فالنتينيو، يا معيد البصر لابنة الوالي الروماني، افتح عيوننا، من جديد، لنبصر جمال المحبة.
ومع هذا، وردة حمراء أقدّمها لكم جميعًا، مع أمنياتي بفالنتاين سعيد لكل منكم.
(جريدة الرأي 1998/2/12)