موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ٩ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٤
يرحم أيام "الكنكنة" و"الكستنا"

أشخين ديمرجيان :

 

اقترب فصل الشتاء الذي يكشّر عن أنيابه، ويشتدّ علينا الزمهرير فتستعدّ الدول في الشرق الأوسط لمواجهة المنخفضات الجوية القوية. نسأل الله أن يحفظ المساكين القابعين تحت الخيام أو في العراء من لاجئين ومشرّدين، ومَن هم بلا مأوى في غزة ولبنان والعراق وسوريا ومناطق أخرى كثيرة بلا عزاء أو رجاء ...

 

نشعر بالبرد داخل منازلنا، مع استخدامنا للتدفئة المركزيّة أو صوبات الكهرباء والغاز والنفط، واحتساء الشوربة والشاي والزهورات، فهل تخطّينا ذواتنا وسألنا أنفسنا: "ترى ما هو إحساس أولئك الذين يعيشون في العراء؟!"... كيف يغمض لنا جفن وننام في فراش دافىء، بينما هناك مَن سوف تتجمّد أطرافهم ويفقدون الإحساس بها بسبب البرد الذي ينخر أجسامهم نخرا، وعلينا تقع مسؤوليّة المساهمة في إغاثتهم حسب إمكاناتنا المادّيّة، شاكرين الله على النعمة التي نتمتّع بها، وسائلين رحمته كي يقي البائسين، ويُرسل إليهم المعونة عن طريق أناس أسخياء كرماء النفس والقلب واليد، يشعرون مع المنكسرين. لا يحتاج الله إلينا بل هو يحمل هؤلاء بهمومهم وحاجاتهم، لكنّه يتوقّع منّا أن نساهم معه بقدر من الخيرات التي منحنا إيّاها ، ومهما كان وضعنا المادي سيئاً فهو أفضل بكثير من حال هؤلاء الذين لا ينامون خوفًا من أن تُداهمهم المنية من جراء البرد.

 

كان البرد أيام زمان:  زمن "الكنكنة" التي يحلو معها أكل "الكستنا"، ولكن "زمان أوّل حوّل" على رأي المثل الشعبي، وكم نرجو أن تعود تلك الأيام التي ضاعت وأفلتت من بين أصابعنا مثل الزئبق، حينما كانت كلّ عائلة في الشرق الأوسط تسكن في بيتها بكرامة وأمان، تنهمك في تدبير أمورها العائلية بقناعة وفرح على الأغلب،  بلا كوابيس حروب ومؤامرات تهجير، ومن غير خطط إذلال محبوكة مدروسة من رأس الأفعى، التي تنفث بسمومها في كلّ بقعة من أصقاع العالم ، وما زالت تدسّ السمّ وتنهب كلّ شيء... وتحيك بخبث ورياء، ونحن نائمون مخدّرون، بالكاد نخطّط ليوم غد، ولا نرى أبعد من أنوفنا، ولا نفكّر بحلول سليمة لإبطال مفعول السمّ الزعاف القاتل. نتخبّط ولا نتقدّم ومكانك قف - لذلك نتقهقر ونتراجع الى الخلف بدل التقدّم.

 

هل من مبادرة لإرجاع المهجّرين إلى أوطانهم، بدل "البهدلة" في بلاد الله الواسعة في الشرق والغرب؟ إنّ مَن يهاجر عن وطنه يذوق طعم الغربة المرّ، ويفقد جذوره وهويّته الأصيلة الجميلة.   والهدف من التهجير هو الحاجة الملحّة إلى مجموع الإمكانات والطاقات البشرية المتوفّرة في الشرق الأوسط، في مجالات كثيرة، والتي يمكن تعبئتها لتحقيق التنمية في مختلف الميادين و القطاعات في الغرب.

 

خاتمة

 

أيّها الحكّام الطغاة إنّ امتلاك السلام الحقيقي ينبع من النزاهة والعدالة والتواصل مع الله، لا من سلب الأيدي العاملة أو الأدمغة في القطاع التجاري والصناعي والعلمي، ولا يأتي السلام من نهب موارد الشعوب المالية، والطبيعيّة بثرواتها السطحيّة والجوفيّة والإمكانيات الطبيعية المتوفرة في الدول... تلك الإمكانيات التي ترفع معدل النمو الاقتصادي مثل المياه والأرض الصالحة للزراعة والمعادن والألماس والنفط والغاز الطبيعي الغابات والأنهار ومصادر الطاقة المختلفة. ولن يكون للأرض سلام "من غير العدل الذي بغيره لن يسكن شعوبنا في واحة السلام" كما قال أشعيا النبي ولن نهنأ بالتهنئة السيّديّة: "طوبى للرحماء فإنهم يُرحَمون، طوبى للساعين إلى السلام فإنهم عيال الله يُدعَون، وطوبى للجياع والعطاش إلى البِرّ فإنهم يُشبَعون"!