موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ٧ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٤
لا تَخَفْ أَيُّها القَطيعُ الصَّغير (لو 12، 32)

الأب داني قريو السالزياني :

 

بحسب الرسائل التي تصلني، والمنشورات والأخبار التي تتداولها مواقع التواصل، استشف مقدار الخوف والقلق الذي ألمَّ بشعبنا وشبيبتنا... الكل خائف، خائف من القصف، خائف من الخطف، خائف من المجهول، ومن ومن ومن...

 

الخوف هو شعورٌ طبيعيٌ في الإنسان، يمكن أن يظهر عندما يلوح في الأفق أيّ شيءٍ أو أي موقف جديد يهدد الأمن أو الاستقرار أو الحياة. أكرر، هذا أمر طبيعي. هذا شيء موجود في حياتنا اليومية.

 

علينا ألا نخاف من الخوف! المشكلة ليست في الموضوع بحد ذاته (الأمر الجديد الذي حدث) إنما هو في تفسيرنا ’’للجديد‘‘ الذي طرأ على حياتنا، فيما تكبدناه دون سابق إنذار. والسؤال الأهم هنا هو يا ترى هل نحن أحرارٌ أمام الخوف؟ أكرر، أن نشعر بالخوف هو أمر إنساني؛ ولكن السؤال هو هل أستطيع عصيان الخوف؟ هل لدي القدرة على عدم إطاعة مخاوفي؟ وعدم السماح لها بأن تقيدني.

 

الخوف يشل حركتنا، يشل تفكيرنا، يشل كياننا! فهو يتسبب في تغيير وظائفنا الأيضية والعضوية والنفسية وفي نهاية المطاف يؤدي إلى تغيير سلوكنا، هلع، هرب، اختباء، تجمد تجاه الأحداث الجديدة التي تحدث أو حتى التي نتخيلها، ناهيك  عن الأضرار النفسية.

 

إنَّ أعظم قوة منحنا الله إياها، هي إنسانيتنا الفتداة، أي قدرتنا على قول "لاء" حتى لمخاوفنا! أي عدم الانخراط فيه والاستسلام له.

 

لن نجد يوما خاليا مما يخيفنا، فالخوف يعتمد على جوانب كثيرة في حياتنا. نحن نعيش في ظرف نشعر فيه بالخوف، ودورنا هو عصيان ما نشعر به، أي أن نفعل عكس ما نشعر به.

 

يأتي السؤال: من أين نتحلى بالشجاعة لنقول "لا" لمخاوفنا؟ الشجاعة لا تأتي من الوعظ، أو من الخطب الرنانة، ولا حتى من الأفكار الأيديولوجية، ولا تأتي أيضًا من عدد الشهادات التي حصلنا عليها أو من تكديس الأموال في المصارف. الشجاعة تأتي، عندما أشعر أن هناك مَن يسندني، أنَّ هناك شخصًا يمكنني الاعتماد عليه. آنذاك أتحلى بالشجاعة والجرأة لأقول "لا" لمخاوفك.

 

هذه هي الرسالة العظيمة للإنجيل. جاء الرب يسوع إلى العالم ليمنحنا هذه النعمة "أُنظُروا أَيَّ مَحبَّةٍ خَصَّنا بِها الآبُ، لِنُدعَى أَبناءَ الله، وإِنَّنا نَحْنُ كَذٰلِك" (1يو 3، 1). ليمنحنا نعمة الانتماء، وأي انتماء؟! أن نكون من أهله، من أسرته! فلو تأملنا قليلاً لاكتشفنا أنّ دمه يسري في عروقنا من المناولة الأولى، أليس كذلك؟! ’’ثُمَّ أَخَذَ كَأسًا وشَكَرَ وناوَلَهم إِيَّاها قائلًا: إِشرَبوا مِنها كُلُّكم ٢٨فهٰذا هُوَ دَمي، دَمُ العَهد يُراقُ مِن أَجْلِ جَماعَةِ النَّاسِ لِغُفرانِ الخَطايا‘‘(متى 26، 27). عندما أشعر أنّي لست وحدي يمكنني أن أتجرأ وأخوض معترك الحياة بآلامها وأفراحها. وإلا سأظل أناشد باستمرار إرادتي أن تفعل شيئا، ولكن عبثا أناشد. وكأني أقول لنفسي غداً عليكِ ألا تخافي، ربما أرغب بهذا حقا ولكنني لا أملك الطاقة لفعل ذلك. ستبقى إرادتي ضعيفة أمام مخاوفي إذا لم أشعر أني مُلك أحد، أنَّ هناك من يعتني بي ويهتم بي ويهمه مصيري. يمكنني الحصول على هذه القوة وهذه الطاقة عندما أؤمن أن الرب معي و أستطيع الاعتماد عليه.

 

عندما أختبر هذا النوع من العلاقة، أنّ هناك مَن يحبني، مَن ينظر إلي بثقة، مَن يهمه أمري... آنذاك، أختبر الحب الذي يجعلني قادرا على فعل ما أريده. آنذاك أختبر حس الانتماء العظيم، الاتحاد الروحي التام الذي منحني إياه المسيح الرب، كما عاشه قبلي القديسون والقديسات. ’’تُعانونَ الشِّدَّةَ في العالَم، ولٰكِن ثِقوا إِنِّي قد غَلَبتُ العالَم‘‘ (يو 16، 33).  يقولها الرب يسوع في خطبة الوداع أي اللحظات الأخيرة قبل أن يسلم إلى الموت.

 

علينا ألا نكون ملحدين متدينين، أي أن أذهب للقداس الإلهي، أشارك في التعليم المسيحي والصلوات و... ولكن ضمنيًا أعيش بطريقة إلحادية، أي كما لو أنَّ الله غير موجود، كما لو أنَّ الله قد تخلى عنا وهاجر، كما لو أنّني أعيش وحيدًا في العالم دون سند أو ظهر... عندما أكون مقتنعا أني وحدي، سأجاهد لأخلص نفسي، سأصارع لأبقى على قيد الحياة، سأحارب لأكمل نهاري وسأصل آخر اليوم منهك مرهق، لأني وحيد بائس!!! هؤلاء هم المتدينون الممارسون، والفرق شاسع بين ممارسة التدين وعيش الإيمان. فالرب يسوع ختم حياته الأرضية قائلاً: ’’هاءَنذا معَكم طَوالَ الأَيَّامِ إِلى نِهايةِ العالَم‘‘ (مت 28، 16). وأشدد ليس فقط معنا، إنًّما أيضاً فينا، يعمل في داخلنا.

 

أحبتي لنعش زمن المجيء، زمن الآتي باسم الرب، زمن العمانوئيل. هذه هي الحياة الروحية الحقة، والحياة المطمئنة.