موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ١٠ يونيو / حزيران ٢٠٢٣
سلبيات وإيجابيات التكنولوجيا

أشخين ديمرجيان :

 

إنّ التقنيات الطبيّة الجديدة، وكذلك الوسائل التكنولوجيّة الحديثة والتطوّرات العلميّة الحيويّة كلّها سلاح ذو حدّين، تجعل الإنسان في مهبّ الريح، يتلاعب الغير بحياته، وتكون سلامته معرّضة لخطر دائم، وأحيانًا تُهدَر كرامته البشريّة بلا استئذان وبلا دستور وبلا رجعة. ولكن ما ذكرناه لا يعني أن نستهين بمثل هذه التطوّرات أو نرفضها، بل وجب علينا الحذر كي نقف لسلبيّاتها بالمرصاد... فحينما تُستَخدَم بأسلوب إيجابيّ كان به، ولكن عندما تُستَخدَم بطريقة غير إيجابيّة تضع المجتمعات والشعوب والأفراد في ظروف صعبة. وهكذا بدل أن تكون لنا عونًا وسندًا، تتحوّل إلى مصيدة تضيّع أمن الإنسان وثروته وصحّته وتُفقد المرء انتماءه للوطن والأسرة.

 

وتدخل في هذا المجال وسائل الإعلام المتطوّرة من تلفاز وحاسوب وبريد إلكتروني وهواتف إلخ... كلّها أسلحة خفيفة ذو حدّين إمّا نستخدمها لنموّنا وارتقائنا، أو نغوص في مساوئها فتستعبدنا كي تنزل بنا إلى الهاوية وبأخلاقنا إلى الحضيض. وتجعل الطفل والمراهق والشاب تحت رحمة عصابات تروّج للإنحطاط الخلقي، أو لتعاطي المخدّرات ومعاشرة أصحاب السوء، في غياب مراقبة الوالدَين لتصرّفات أبنائهم غير السليمة، أو قراراتهم الهوجاء، فالوالدَين في واد والأولاد في واد آخر. بل ويفتخر بعض الآباء والأمّهات بأنّ أولادهم يُتقنون استخدام الفيسبوك والسكايب والواتساب وغيره... هل بإمكان الأهل في مثل هذه الحالة مراقبة تصرّفات فلذات أكبادهم؟ وهل يعرفون مع مَن يتواصلون، وما ينتظرهم من مصير؟

 

من المضحك المبكي صور المأكولات ودعوات الغذاء والعشاء على صفحات الفيسبوك، ونشر صورة وخبر -على سبيل المثال- عن احتساء القهوة لدى فلانة من الناس، إلى آخر ما هنالك من أخبار ممكن وصفها مع الأسف بالسخيفة أو السطحيّة أو التّافهة لا تفيد المرأة أو البيت أو المجتمع.

 

ووسائل الإعلام تلعب بعقولنا ومشاعرنا وحياتنا، وتروّج ما يجب علينا تصديقه من أنباء عالميّة ومحلّيّة، والهدف من ذلك تحقيق مخطّطات ومصالح صانعي القرار في هذا الكون، ونحن نصدّق كلّ ما نقرأ أو نسمع أو نشاهد في التلفاز، وكأنّه كلام مُنزل من السماء... لقد أصابتنا البلادة لا نحلّل الأمور ولا نبحث عن الحقيقة وقد أغمضنا عيوننا وأذهاننا عنها. نصدّق زعماء دول لا تُعبّر تصريحاتهم إلاّ عن مصالح دولهم الاقتصاديّة، ونؤيّدهم ونناصرهم كالببغاء، من غير فهم ودراية للأمور ومن غير تنقيب ودراسة، مع أنّ أفضل العقول هي التي تتصدّى لكشف الحقيقة من غير خمول، ولا يستوعب الحقيقة إلاّ العقل المستنير، والجبان هو الذي يعثر على الحقيقة ولا ينطق بها أو يهرب منها.

 

بعض الحقائق هائلة في حجمها، لدرجة أنّ علينا أن نجتهد في إطلاع الآخرين عليها رويدًا رويدا وبالتدريج، ومع أنّ الحقائق أحيانًا تنزف من طعنات المعارضين لها، لكنها بالتأكيد ستفرض نفسها على الجميع في نهاية المطاف. في أغلب الأحيان الحقيقة ساطعة كالشمس، ولذلك يتجنّب كثير من الناس النظر إليها مباشرة، خوفًا من الحرج أو الخسارة الماديّة.

 

 

خاتمة

 

يوصي السيّد المسيح أتباعه: "تعرفون الحقّ والحقّ يحرّركم" (يو: 32:8)، ويوصي بحرّيّة جديدة تختلف عن المألوف لدى الناس –والحقّ يشمل الصدق والعدالة– والتعامل بأمانة أمام الله والناس كي تتحرّر القلوب من الكذب وسائر الخطايا التي تقيّد حياة البشر. ولو استندت الدول على اتّباع الحق لامتنعت عن سياسة الطمع والاحتلال والحروب.