موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢٣ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٥
البابا لدافوس: على الذكاء الاصطناعي أن يعزّز الكرامة الإنسانيّة وألا ينتهكها أبدًا

فاتيكان نيوز :

 

بمناسبة اللقاء السنوي الذي يعقد في دافوس من 20 وحتى 24 كانون الثاني 2025، وجّه قداسة البابا فرنسيس رسالة إلى رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي، لفت في مستهلها إلى أنّ موضوع اللقاء لهذا العام "التعاون من أجل عصر الذكاء"، يشكّل فرصة جيدة للتفكير في الذكاء الاصطناعي كأداة ليس فقط للتعاون، وإنما أيضًا للتقريب بين الشعوب.

 

أضاف: يعتبر التقليد المسيحي عطيّة الذكاء جانبًا أساسيًّا من جوانب الشخص البشري المخلوق "على صورة الله". في الوقت عينه، لطالما كانت الكنيسة الكاثوليكيّة داعية وداعمة لتقدم العلوم والتكنولوجيا والفنون وغيرها من أشكال المساعي الإنسانية، معتبرة إياها مجالات "تعاون الرجل والمرأة مع الله في حمل الخليقة المرئيّة إلى الكمال". لقد تم تصميم الذكاء الاصطناعي لمحاكاة الذكاء البشري الذي صممه، الأمر الذي أثار هكذا مجموعة فريدة من الأسئلة والتحديات. على عكس العديد من الاختراعات البشرية الأخرى، يتم تدريب الذكاء الاصطناعي على نتائج الإبداع البشري، الأمر الذي يسمح له بتوليد مصنوعات جديدة بدرجة من المهارة والسرعة التي غالبًا ما تحاكي أو تتجاوز القدرات البشرية، مما يثير مخاوف مهمة حول تأثيره على دور البشرية في العالم. كذلك، فإن النتائج التي يستطيع الذكاء الاصطناعي تحقيقها لا يمكن تمييزها تقريبًا عن نتائج البشر، مما يثير تساؤلات حول تأثيرها على أزمة الحقيقة المتزايدة في المنتدى العام. كذلك، هذه التكنولوجيا هي مصممة للتعلم واتخاذ خيارات معينة بشكل مستقل، والتكيف مع المواقف الجديدة وتقديم اجابات لم يتوقعها مبرمجوها، مما يثير أسئلة مهمة تتعلق بالمسؤولية الأخلاقية والأمن البشري والآثار الأوسع نطاقًا لمثل هذه التطورات على المجتمع.

 

تابع: على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي هو إنجاز تكنولوجي استثنائي قادر على محاكاة بعض المخرجات المرتبطة بالذكاء البشري، إلا أن هذه التكنولوجيا تقوم "بالخيار التقني من بين عدة احتمالات وتستند إما إلى معايير محددة جيدًا أو إلى الاستدلال الإحصائي. أما الإنسان، من ناحية أخرى، لا يختار فحسب، بل هو في قرارة نفسه قادر على اتخاذ القرار". في الواقع، إن استخدام كلمة "ذكاء" فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي هو أمر غير مناسب، لأن الذكاء الاصطناعي ليس شكلاً اصطناعيًا للذكاء البشري بل هو نتاج له. عندما يُستخدم الذكاء الاصطناعي بشكل صحيح، يساعد الذكاء الاصطناعي الإنسان على تحقيق دعوته، في الحرية والمسؤولية.

 

وقال: مثل كل نشاط بشريٍّ آخر وكل تطور تكنولوجي، يجب أن يكون الذكاء الاصطناعي موجهًا للشخص البشري وأن يصبح جزءًا من الجهود المبذولة لتحقيق "عدالة أكبر وأخوّة أكبر ونظام أكثر إنسانية للعلاقات الاجتماعية"، والتي هي "أكثر قيمة من التقدم في المجال التكنولوجي". ومع ذلك، هناك خطر أن يتمّ استخدام الذكاء الاصطناعي لتعزيز "النموذج التكنوقراطي"، الذي بموجبه يمكن حل جميع مشاكل العالم بالوسائل التكنولوجية وحدها. في هذا النموذج، غالبًا ما يتم إخضاع كرامة الإنسان والأخوة الإنسانية للسعي وراء الكفاءة، كما لو أن الواقع والخير والحقيقة ينبثقون بطبيعتهم من القوة التكنولوجية والاقتصادية.

 

أضاف: ومع ذلك، لا يجب انتهاك الكرامة البشريّة لصالح الكفاءة. فالتطورات التكنولوجية التي لا تحسّن حياة الجميع، بل تخلق أو تزيد من عدم المساواة والصراعات، لا يمكنها أن تسمى تقدمًا حقيقيًا. ولذلك، يجب أن يوضع الذكاء الاصطناعي في خدمة تنمية سليمة وإنسانية واجتماعية وتكاملية. إن التقدم المطبوع بولادة الذكاء الاصطناعي يتطلب إعادة اكتشاف أهمية الجماعة والتزامًا متجدّدًا بالعناية بالبيت المشترك الذي أوكله الله إلينا. ولإدارة تعقيدات الذكاء الاصطناعي، يجب على الحكومات والشركات ممارسة العناية واليقظة الواجبة. يجب عليها إجراء تقييم نقدي للتطبيقات الفردية للذكاء الاصطناعي في سياقات معينة لتحديد ما إذا كان استخدامه يعزز الكرامة البشريّة ودعوة الإنسان والخير العام.

 

تابع: كما هو الحال مع العديد من التقنيات، قد لا يمكن دائمًا التنبؤ بآثار الاستخدامات المختلفة للذكاء الاصطناعي منذ البداية. ولكن مع مرور الوقت، ومع ازدياد وضوح تطبيق الذكاء الاصطناعي وأثره الاجتماعي، يجب اعتماد الإجابات المناسبة على جميع مستويات المجتمع، وفقًا لمبدأ التعاضد، مع المستخدمين الأفراد والعائلات والمجتمع المدني والشركات والمؤسسات والحكومات والمنظمات الدولية التي تعمل كل منها على مستواها لضمان أن يكون الذكاء الاصطناعي موجّهًا لصالح الجميع. واليوم، هناك تحديات وفرص كبيرة يتم فيها وضع الذكاء الاصطناعي في إطار من الذكاء العلائقي، حيث يتشارك الجميع المسؤولية من أجل الرفاه المتكامل للآخرين.