موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الجمعة، ٢٤ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٥
تأمل الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا: الأحد الثالث من الزمن العادي ج، 2025
لوقا ١: ١-٤؛ ٤: ١٤-٢١

بطريرك القدس للاتين :

 

إن مقطع الإنجيل اليوم (لوقا ١: ١-٤؛ ٤: ١٤-٢١) مأخوذ من فصلين مختلفين من إنجيل لوقا: الآيات الأولى مأخوذة من الفصل الأول، وهي تعرض بداية الإنجيل. أما الجزء التالي فهو مأخوذ من الفصل الرابع، ويصف أول ظهور علني ليسوع بعد تجربته في البرية. هاتان الفقرتان تمثلان بداية: بداية الإنجيل وبداية رسالة يسوع.

 

وفي كلتا الفقرتين تبرز كلمة "تمَّت".

 

إنها الكلمة التي تشكل إطارًا لكلتا الفقرتين: حيث يشير الإنجيلي إلى أن كثيرين كتبوا عن الأمور التي تمّت بينهم (لوقا ١: ١)، بينما يقول يسوع إن الكتابة التي قرأها للتو في مجمع الناصرة قد تمّت (لوقا ٤: ٢١).

 

الإنجيلي لا يكتفي بالحديث عن أحداث وقعت، بل يشدد ويبين أنها تمّت. يريد أن يوضح أن ما حدث ليس مجرد حدث عادي قد يكون جديدًا أو جميلًا فحسب، بل هو التمام الكامل. أي أنه وصل إلى كماله وحقق هدفه وغايته المنشودة.

 

يدخل يسوع إلى المجمع ولا يبدأ ببساطة بإعلان أن ملكوت الله قريب، كما سيفعل في أماكن أخرى من الجليل. بل يقرأ كلمةً ويعلن أن تلك الكلمة قد تمّت. ولهذا السبب، فإن ملكوت الله قريب. من هذا كله، يمكننا أن نستخلص أول عنصر، وهو أن البداية تتمثل في تمّت.

 

إن نقطة انطلاقنا، وأصل حياتنا، هي شيء قد اكتمل: هناك وعدٌ تحقق، وعهدٌ وُفِي به، وأمانةٌ تم الوفاء بها. في بداية إيماننا، في بداية حياتنا، وفي بداية علاقتنا مع الرب، هناك نعمة أُعدت منذ زمن طويل، وأخيرًا تم تقديمها بشكل نهائي وغير قابل للتراجع. تمّت.

 

ما هي هذه النعمة؟ يكشف يسوع عنها في آيات النبي إشعياء التي أُعطيت له ليقرأها في مجمع مدينته الأم: إعلان عن السلام، والحرية، والخلاص، والحياة:

 

"رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لِأَنَّه مَسَحَني لِأُبَشِّرَ الفُقَراء وأَرسَلَني لأُعلِنَ لِلمَأسورينَ تَخلِيَةَ سَبيلِهم ولِلعُميانِ عَودَةَ البَصَرِ إِلَيهِم وأُفَرِّجَ عنِ المَظلومين" (لوقا 4: 18).

 

إنه إعلان عن عمل الله في تشكيل هذا التجديد وبناء هذا العالم الجديد. وهذا العالم الجديد حاضر الآن، يبدأ، ويبدأ تحديدًا في مجمع بسيط في بلدة هامشية وغير معروفة.

 

لننظر الآن إلى الأفعال والكلمات التي يستخدمها يسوع، لأن هذه الأفعال والكلمات تلقي مزيدًا من الضوء على معنى "تمّت".

 

ينقل الإنجيلي لوقا هذه التفاصيل بدقة كبيرة (لوقا ٤: ١٦-٢٠): يقوم يسوع، ويأخذ سفر النبي إشعياء، ويفتحه، ويجد المقطع الذي يتحدث عن مجيء الملكوت، ثم يقرأه، وبعد ذلك يطوي السِّفر ويعيده للخادم، ويجلس مجددًا.

 

إنها أفعال تحمل دلالات عميقة.

 

يسوع يستقبل هذه القصة، في طاعة للآب؛ ثم يفتحها، ليدخل في أعماقها ويصبح جزءًا منها. يدخل في قصة تتحرك نحوه، قصة انتظار المسيح، وانتظار الخلاص الذي يكون مجانيًا وشاملًا للجميع. ثم يقرأها، أي يفسرها ويجعلها ملكه، كاشفًا معناها الحقيقي. وأخيرًا يطوي السِّفر، لأن زمن انتظار تلك الكلمة قد انتهى. الآن، كل ما كُتب في ذلك السِّفر قد تمّ، ويمكن رؤيته ولمسه في شخصه هو.

 

هو التحرير، هو البصر، هو البشرى السارة.

 

ثم الكلمات: بعد أن جلس، لم يعلّق يسوع على النص كما كان يفعل الحاخامات والمعلمون. لم يكتفِ بشرح النص ليصبح واضحًا للجميع. بل قال إن تلك الكلمة قد تمّت: "اليَومَ تَمَّت هٰذه الآيَةُ بِمَسمَعٍ مِنكُم" (لوقا 4: 21).

 

وبما أنها قد تمّت، لم نعد في زمن الانتظار وعدم اليقين، بل نحن الآن في "اليوم"، يوم الخلاص. اليوم يريد الرب أن يحررنا، اليوم يريد أن يعيد إلينا البصر، اليوم يريد أن يعلن لنا حضوره الواهب للحياة. ليس الأمر مجرد تأكيد على أن الرب حاضر معنا في المستقبل. لقد حان وقت الخمرة الجيدة التي تجدد فرحة العرس (راجع يوحنا ٢: ١-١١).