موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ٢٧ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٥
الروح يجمع ويُحييي
حي الأرمن في القدس

حي الأرمن في القدس

أشخين ديمرجيان :

 

فيما يلي ردّ على تساؤلات بعض الأصدقاء عن سبب احتفال الأرمن بعيد الميلاد والغطاس في 19 كانون الثّاني يناير من كلّ عام.

 

يحتفل الأرمن الأرثوذكس في القدس وبيت لحم وسائر الديار المقدّسة بعيدي الميلاد المجيد والغطاس في 19 يناير من كلّ عام، وفقًا للتقويم اليولياني القديم، فتسود بهجة العيد مرّة أخرى وفرحته، بينما الأرمن في جمهورية أرمينيا يحتفلون بالعيد قبل ذلك بثلاثة عشر يومًا مع جيرانهم الروس واليونان الأرثوذكس حسب التقويم الغريغوري.

 

مراسيم الاحتفال بعيد ميلاد المسيح تتكرّر في البلاد المقدّسة ثلاث مرّات. في الأرض المقدّسة، في هذا الحيّز الجغرافي الصغير، وبسبب تنوّع الفئات المسيحيّة واتّباع تقاويم مختلفة، يُحتفل بالعيد المجيد تزامنًا مع احتفاله في أوروبا والولايات المتّحدة، أي حسب تقويم الكنيسة الكاثوليكيّة الغريغوريّ (نسبة إلى البابا غريغوريوس الثالث عشر) في الخامس والعشرين من ديسمبر، وفي 7 يناير في اليونان وروسيا وأرمينيا، وفقًا لتقويم الكنيسة الأرثوذكسيّة.

 

الكنيسة الأرمنيّة في المدينة المقدّسة التي حافظت على التقويم اليولياني القديم تُعيّد لوحدها في 19 يناير من كلّ عام، مع أنّ الجاليات الأرمنيّة في سائر أنحاء العالم، تتبع حساب تقويم الكنيسة الكاثوليكيّة أو الأرثوذكسيّة كلّ منها طبقاً لمنطقة سكناها.

 

مملكة أرمينيا هي أوّل دولة قبلت المسيح عام 301م في عهد الملك تيريداتس وزوجته الملكة أشخين. وصل الأرمن إلى المدينة المقدّسة سنة 95 قبل الميلاد، في عهد الملك الأرمني ديكران الثاني الكبير (دام حكمه من 95 الى 55 قبل الميلاد)، وامتدّت فتوحات امبراطوريّته إلى جبال القوقاس والفرات وحوض البحر المتوسط أي بلاد اشور وأنطاكيا وفلسطين، لذلك لُقّب بديكران الكبير. ضمن مشاريعه العمرانيّة شيّد مدينة كبيرة سمّاها "ديكراناكيرت" نسبة الى اسمه، وما زالت قلاعها تشهد لعظمته وقوّته، وصكّ نقودًا من ذهب موجودة في المتاحف.

 

تذكر الوثائق التاريخيّة في ملفّات البطريركية الأرمنيّة في القدس أنّ مطارنة الأرمن انهمكوا مع غيرهم من المطارنة المتواجدين في المدينة المقدّسة والإسكندرية، انهمكوا في تحديد الأماكن المقدّسة التي لها صلة مباشرة بحياة السيّد المسيح ونشاطاته، وفي تشييد المباني الضخمة للحفاظ على كنوز المسيحيّة الأولى، وذلك عام 154م. ومن أهم معالم الحيّ الأرمني، دير مار يعقوب أوّل كنيسة في التاريخ. وكان مار يعقوب أوّل مطران في الكنيسة وهو من تلاميذ السيّد المسيح وأحد أقربائه.

 

مع أنّ احتفال الأرمن بعيد الميلاد المجيد في بيت لحم وسائر مناطق الأرض المقدّسة مُلفت للنظر والاهتمام، إلاّ أنّ حجّاج الأرمن يتكاثر توافدهم إلى الديار المقدّسة في عيد القيامة السيّديّة.

 

وأمّا تاريخ حارة الأرمن في البلدة القديمة في القدس فيعود الى القرن الرابع الميلاديّ. وتشكّل حارة الأرمن سدس مساحة هذه البلدة وتتمتّع بموقع جغرافي مميّز، وهي أشبه ما تكون بدُويلة صغيرة صمدت طوال قرون ولم تهزّها رياح السياسات والصراعات المستمرّة. ولعب الأرمن دورًا بارزًا في النواحي الثقافيّة والاجتماعيّة والمهنيّة والسياسيّة، مع أنّه يتمّ تجاهلهم غالبًا.

 

وعمومًا صدرت في الماضي أوامر عليا كثيرة لصالح الأرمن، لتدعيم وتقوية مركز البطريركيّة، واحتُرمت هذه العهود، وحافظت البطريركية، على مرّ العصور والأجيال، برئاسة بطاركة أكفّاء وموهوبين، على العقارات الأرمنية، وحوّلت الحيّ الأرمني في القدس إلى مركز ثقافي هام، ومركز للأبحاث يخدم الأرمن وطلاّب العلوم من غير الأرمن حتى يومنا هذا.

 

أمّا المرسوم الأخير والأهمّ، فقد أصدره السلطان العثماني عبد المجيد عام 1852م على شكل بيان كتابي، أعلن فيه مبادئ ستاتوكو status quo، أي الوضع الراهن في الأماكن المقدّسة، لتحديد وتنظيم وصيانة الحقوق في الأماكن المقدّسة، وفيه لكلّ فئة من الفئات الكنسيّة، أي الأرمن الأرثوذكس والروم الأرثوذكس والرهبنة الفرنسيسكانية التي تمثّل الكنيسة الكاثوليكيّة وبالذات البطريركية اللاتينية، لهم بشكل لا يقبل التغيير، تلك الحقوق التي مُنِحت لهم. وتشترك هذه الكنائس في تحمّل المسؤولية، ولديها امتياز خاص لكونها حارسة الأماكن المقدّسة في كنيسة القيامة، وبستان الجسمانية، وقبر سيّدتنا مريم العذراء، وكنيسة المهد في بيت لحم، وأماكن أخرى.

 

واجهت البطريركية الأرمنية مصاعب عديدة خلال القرن العشرين، فإليها لجأت في أثناء وأعقاب الحرب العالميّة الأولى العائلات الأرمنيّة التي نجت من المجازر التي تعرّضت لها على يد العثمانيين، واحتضنت كنيسة مار يعقوب ورهبانها الآلاف من اللاجئين والأيتام المشرّدين.

 

خاتمة

 

نأمل أن توحّد الكنائس المسيحيّة أعيادها وتتبع التقويم الأكثر دقّةً وتكون عمليّة ومرنة كي نستقرّ على رأي. قد تختلط مواقيت العيد بسبب أهل القرار، ولكنّا نبقى متّفقين بالإجماع على قدسيّة المولود والميلاد، ولو سألنا المولود لأجاب: "كونوا كاملين في فكر واحد ورأي واحد..." (1 كور 1: 10). ومن أقوال السيّد المسيح في الانجيل الطاهر "الحرف يقتل أمّا الروح فيُحيي" (2 كور: 3-6)، في رأيي المتواضع أنّ الأرقام والتقاويم تُفرّق، أمّا الروح فيجمع ويُوحّد ويُحيي!

 

تهنئة العيد: "وُلِد المسيح وظهر" والجواب: "لكم ولنا بشرى عظيمة" هللويا!