موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ٢٢ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٥
"أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين" لكن عن أي وحدة نتكلم؟
الأب سامر يوسف هندو - من كهنة البطريركيّة الكلدانيّة

الأب سامر يوسف هندو - من كهنة البطريركيّة الكلدانيّة

الأب سامر يوسف هندو :

 

كما جرت العادة سنويًا، يشارك المسيحيون من مختلف الكنائس في الشرق الأوسط والعالم بـ"أسبوع الصّلاة من أجل وحدة المسيحيّين"، بين 18 و25 كانون الثاني/ يناير. يتّحدون خلالها في الصّلاة على نيّة وحدة يتوقون إليها ولا ينالونها!

 

إنّها لمحطّة مسكونيّة مهمة وأساسية، نصلّي فيها ونرنّم ونتضرّع الى ربّنا يسوع المسيح؛ هذا المسيح الذي يتحد بدوره معنا بالصلاة ويتوق ليرانا متحدين كما كان مع تلاميذه… وعنوان الصلاة هذه السّنة هو: "أتؤمنينَ بهذا؟" (يوحنّا 11/ 26).

 

 

لكن عن أي وحدةٍ نتكلم؟

 

كثيرٌ من يخلطون بين وحدة المسيحيين بتوحيد الأعياد! وكأن إذا وحدنا الأعياد، توحدوا المسيحيون فيما بينهم وهذا المفهوم غير صحيح وغير كافٍ. فعلى سبيل المثال: تحتفل كنيستنا الكلدانية الكاثوليكية مع كنيسة السريان الكاثوليك بنفس تواريخ الأعياد الصغيرة والكبيرة، لكن هل هناك فعليًا وحدة وسلام بيننا؟ أترك لكم الجواب...

 

فالمسألة هي ليست مسألة تواريخ وأعياد، هذه أسباب ثانوية وممكن حلها في يوم من الأيام، لكن السؤال المهم هو: هل سنتوحد في يومٍ من الأيام فنكون جماعة واحدة يترأسها بابا واحد ونحمل تسمية واحدة؟ لا اعتقد هذا، وساذجٌ من يقول لكم نعم! فمسيحيتنا منذ نشأتها عاشت الخلافات والانقسامات ابتداءً من يهوذا الذي انشق عن الجماعة، وقبلها يعقوب ويوحنا (ابنا زَبدي) عندما فكرا في "الكرسي/السلطة" وأرادا الجلوس عن يمين وشمال الرب في ملكوته، وكيف غضبوا بقية التلاميذ منهم ودخلت بينهم الغِيرة والحسد (مرقس 10/ 35). ولا ننسى الخلاف الذي دار بين بطرس وبولس في مجمع أورشليم فيما يخص الختان (أعمال الرسل 15).

 

بعدها الانشقاق الكبير والخطير الذي حصل في مجمع خلقيدونية سنة 451 والذي نجم عنه انفصال الكنائس الشرقيّة الأرثوذكسيّة (السريانية والأرمنية والقبطية) عن الشركة مع الكنيستين الرومانية الكاثوليكية وبيزنطة الأرثوذكسية حول مسألة "ألوهية وطبيعة المسيح". وأيضًا في الانشقاق العظيم أو ما يسمى بـ"انشقاق كنيسة الشرق والغرب" عام 1054 بسبب نزاعات لاهوتية وطقسية. وأيضًا الانشقاق بين الكنيسة الكاثوليكية الرومانيّة وحركة الإصلاح البروتستانتي عام 1521، بسبب السلطة الدينية وعقيدة التبرير.

 

 

أهمية الوحدة المسيحية 

 

إذًا، عاشت المسيحية منذ تأسّيسها مشكلة الخلافات والانشقاقات وهذا الشيء يجب أن نعتاد عليه! ففي داخل العائلة الواحدة، يحصل خلافات وخصومات تؤدي أحيانًا إلى انشقاقات بين الإخوة والأخوات والأهل.

 

المقصود أن الوحدة المسيحية ليست مجرد مفهوم تقويمي أو لاهوتي وعقائدي، بل هي استجابة لدعوة المسيح في إنجيل يوحنا 17، حيث صلى قائلاً: "ليكون الجميع واحدًا". هذه الدعوة تعكس الهدف الروحي العميق للوحدة بين المسيحيين (أتباع المسيح)، والتي تقوم على المحبة المتبادلة والتفاهم والشهادة للعالم عن قوة الإيمان المسيحي في تعزيز السلام.

 

هذه الوحدة المسيحية المنتظَرة، تسهم في تقديم شهادة قوية للعالم عن الإنجيل، حيث تكون الكنيسة الموحدة مثالاً حيًّا للمحبة والمصالحة، بعيدةً عن تدخلات الساسة فيها وتأثيراتهم السلبية لزرع وتأجيج الخلاف بين رؤسائها، وبعيدة ايضًا عن المصالح الشخصية والمادية والسلطويّة...

 

 

من هم المعنيين؟ 

 

عندما تُعلن الكنيسة كل سنة عن "أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين"، قليل من يحظر من الشعب المسيحي، وكأن المسألة مقتصرة فقط على وحدة رؤساء الكنائس! لكن مفهوم "المسيحيين" يشمل "كل المسيحيين"، لأن الخلافات والانشقاقات طالت الكل ابتداءً من انشقاق الانسان عن ذاته، إلى العائلة، إلى المجتمع، إلى الكنيسة، وحتى العالم.

 

 

أسس تحقيق هذه الوحدة

 

في العصر الحديث، ظهرت حركات مسكونيّة تهدف الى تعزيز الحوار والتعاون بين الكنائس مثل "مجلس الكنائس العالمي"، الذي يعمل على تقريب وجهات النظر وتنسيق الجهود المشتركة في مواجهة التحديات العالمية. ومن أهم أسس تحقيق هذه الوحدة هو العمل معًا في القضايا الإنسانيّة مثل محاربة الفقر والظلم وعدم العدالة والدفاع عن حقوق المسيحيين المَسلوبة وإعادة بناء جسور الثقة بين المؤمنين المسيحين وبين الكنيسة وكهنتها ورؤسائها مع تعزيز التعليم والسلام الاجتماعي.

 

 

خاتمة

 

إن وحدة المسيحيين ليست هدفاً مستحيلاً بل هي دعوة إلهية ورؤية تستحق الجهد، وهدف نبيل يستحق السعي إليه.

 

من خلال الصلاة والحوار والمحبة والاحترام المتبادل، يمكن للمسيحيين أن يتجاوزوا الحواجز التاريخية والعقائدية ويقدموا للعالم شهادة حيّة عن قوة الإيمان في بناء جسور المحبة والسلام.

 

وكي يتحقق هذا السلام، ما علينا الى أن نخرج من "الأنا" ونفكر في الـ"نحن". وأيضًا إعادة قراءة كلام يسوع في صلاته من أجل تلاميذه عندما يقول: "احفظهم من الشرير" (يوحنا 17/ 15). ولا يقصد بإبليس كشخص فقط، لكن الشرير الذي يسكن فينا (حب المال والسلطة)، والأشرار من حولنا، من يرغبون في تقسيم الكنيسة وزرع البلبلة والانشقاق فيها أكثر فأكثر من أجل مصالحهم الشخصيّة والسياسيّة...