موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ٨ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٣
الرب يُعطي فيفيض

أشخين ديمرجيان :

 

عندما بدأ الفنّان العالمي "پول سيزان" مهنته كرسّام، لم يخطر بباله قط أنّه سيُصبح يومًا "أبا الفنّ الحديث" وذلك بسبب تأثيره على الحركات الفنيّة في القرن العشرين من "تكعيبية وتجريديّة " وغيرها. إذ غيّر "سيزان" الفن ونقله نقلة نوعية، بفضل تجاربه الكثيرة من المدرسة التي نشأت في نهاية القرن التاسع عشر إلى المدرسة التجريديه الحديثة التي تكوّنت في القرن العشرين.

 

كان "سيزان" يحبّ فنّه ويُتقن لوحاته لدرجة أنّه لم يفكّر بالشهرة بتاتًا. رسم لوحات فنيّة جميلة لا عدّ لها ولا حصر لمدة خمسة وثلاثين عامًا في بلدة "إيكس أون بروفانس" في جنوب فرنسا. وعاش هناك مجهولاً، لا يُقدّر أحد مهارته في الرسم. وكان يُهدي لوحاته –التي أصبحت تُقَدَّر فيما بعد بملايين الدولارات– لأقربائه وجيرانه ومعارفه وأصدقائه الذين ما كانوا يفهمون الفنّ ولا يهتمّون برسوماته.

 

وفي إحدى المرّات رأى أحد كبار رجال فرنسا، ممّن له صولات وجولات في الفن، رسومات "سيزان"، وأعجِب بها كثيرًا، وأمر بجمعها وعرضها باسم راسمها الفنّان "سيزان" فدُهِش جميع أهل الفن من تلك اللوحات لأنّها كانت فعلاً تحفًا فنيّة.

 

كان في طليعة الذين استولى عليهم الدهشة "سيزان" الرسّام نفسه، إذ حدث أمر غير متَوقَّع ومفاجىء: أدخلوه إلى المعرض محمولاً على الأكتاف. فأخذ ينظر الى لوحاته بعين الإعجاب والدموع تترقرق في عينيه. ثم قال بتأثّر شديد وهو يكاد لا يصدّق ما يرى بامّ عينيه: "أنظروا! لقد عرضوا رسوماتي في إطارات".

 

لو كان هدف الفنّان "سيزان" الرئيسي الحصول على المجد والشهرة والمال، لما حقّق ذلك النجاح والتفوّق. ولكنّه نال العظمة بكلّ بساطة لأنّه استخدم المواهب التي منحه إيّاها الله، أحسن استخدام مع عدم الشعور بالإحباط أو اليأس لدى مواجهته للصعوبات. ويكمن سرّ عظمته تلك في إتقانه لموهبة الفنّ من أجل الفنّ دون أن يُضيّعها أو يُهملها. ولأنّه بحث عن رضى الله قبل أن يهتمّ بمديح الناس أو ذمّهم.

 

 

خاتمة

 

العبرة في حياتنا اليوميّة أن نُفعّل كلّ طاقاتنا ومَلَكاتنا الفنيّة أو العقليّة أو الروحانيّة، التي وهبها لنا الله، كي تُثمر ثمرًا جيّدًا يستفيد منها سائر الناس. وألاّ ندع قوة من قوانا في زاوية النسيان أو الإهمال أو الكسل بل نُنمّيها لأنّ الله سيُحاسبنا عليها. وتقع على عاتقنا مسؤوليّة اكتشاف مواهبنا التي منحنا إيّاها الله كي نستثمرها بشكل جيّد وبضمير حيّ في سبيل خدمة بلدنا والبشر أجمعين. وتأتي المكافأة من الله كما وعدنا في الإنجيل الطاهر: "لأنّ كلّ مَن كان له شيء، يُعطى فيفيض. ومَن ليس له شيء، يُنتَزَع منه حتّى الذي له" (متّى 13: 12 و25: 29).