موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ٢٤ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٥
المعاني المسيحية لشجرة عيد الميلاد

ترجمة موقع أبونا عن acistampa :

 

أضواء وروائح وألوان، وقبل كل شيء مشاعر، تمتزج معًا وتنبض بالحياة في الثامن من كانون الأول من كل عام، في تلك الشجرة -صغيرة كانت أم كبيرة، طبيعية أم اصطناعية- التي لا يكاد يخلو منها أي بيت: إنها شجرة عيد الميلاد التي تُرافق أعيادنا وتجمع العائلات للاحتفال بميلاد السيد المسيح. وعادةً ما تُوضع بالقرب من مشهد المهد، رمزًا للمسيحية الجامعة.

 

غير أنّ الشجرة نفسها تحمل هي أيضًا رمزية مسيحية عميقة، وإن كان لا يُلتفت إلى ذلك دائمًا، إذ يُنظر إليها أحيانًا على أنها مجرد تقليد "وثني". لكن شجرة التنوب، المنتمية إلى فصيلة الصنوبر، تُذكّر في عمق معناها بشجرة الحياة المغروسة في وسط جنة عدن، وبشجرة صليب المسيح. ووفقًا للتقاليد الإسكندنافية، تُزيَّن الشجرة بالتفاح، تذكارًا لشجرة عدن، وبالقربان، رمز تجسّد المسيح، المُعلّق على أغصانها الخضراء. كما يُفترض أن يكون من بين الهدايا الموضوعة تحتها هدايا مخصّصة للفقراء.

 

وإذا عدنا إلى جذور التاريخ، نجد أن شجرة التنوب اعتُبرت منذ مصر القديمة شجرة الميلاد، إذ قيل إنّ إله جبيل وُلد تحتها. وفي اليونان، كانت التنوب الشجرة المقدّسة لأرتميس، حامية المواليد. أمّا لدى شعوب شمال آسيا، فكانت تُعدّ الشجرة الكونية، الغروسة في قلب الكون. غير أنّ الدلالة المسيحية لشجرة عيد الميلاد لها أصل خاص يعود إلى تقليد من العصور الوسطى، هو تقليد تمثيلات "الأسرار" التي كانت تُقام في أهم أعياد السنة الليتورجية، ولا سيّما أسرار الفصح وأسرار الميلاد.

 

وفي سياق الأسرار، كان يُعاد تمثيل قصة الخطيئة الأصلية في الفردوس خلال قداس ليلة عيد الميلاد، في الرابع والعشرين من كانون الأول، أمام أبواب الكنائس. ومن المعروف أن الكتاب المقدس لا يحدّد نوع الشجرة، لذلك ربطت كل أمة شجرة الخطيئة الأصلية بنباتاتها المحلية. وفي ألمانيا تحديدًا نشأت عادة استخدام شجرة التنوب، إذ كان من الصعب في ذلك الوقت من السنة العثور على شجرة تفاح مزهرة، فوقع الاختيار على شجرة دائمة الخضرة. وعُلّقت التفاحات عليها –التي تحوّلت إلى كرات وزينة عيد الميلاد- لتجسيد شجرة عدن. وهكذا اكتسبت شجرة عيد الميلاد معناها المسيحي، إذ إنّ ليلة عيد الميلاد تمثّل لحظة التكفير عن خطيئة الإنسان من خلال تجسد المسيح.

 

وإضافة إلى ذلك، فإنّ كون شجرة التنوب دائمة الخضرة يجعلها رمزًا لابن الإنسان "الحي". فالمسيح هو شجرة الحياة الحقيقية، كما ورد في سفر الرؤيا: «من يغلب فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة» (رؤيا 2: 7). ويزخر العهدان القديم والجديد بالإشارات إلى شجرة الحياة. ففي رؤيا القديس يوحنا (22: 2) هناك إشارة إلى جنب المسيح المطعون: «وفي وَسَطِ السَّاحَةِ وبَينَ شُعبَتَيِ النَّهرِ شَجَرَةُ حَياةٍ تُثمِرُ ٱثنَتَي عَشرَةَ مَرَّة، في كُلِّ شَهرٍ تُعْطي ثَمَرَها، ووَرَقُ الشَّجَرَةِ لِشِفاءِ الأُمَم». إنّها صورة رمزية لشجرة الحياة التي تشير إلى الصليب، فيما تصبح أوراقها رمزًا لشمولية الخلاص.

 

ومع أنّ تقليد شجرة عيد الميلاد يُنسب عادةً إلى ألمانيا، فإنّ الصورة تظل ناقصة من دون الإشارة إلى أسطورة القديس بونيفاس، المولود في إنجلترا نحو عام 680، والذي بشّر الشعوب الجرمانية. وتروي الإسطورة أنّ بونيفاس واجه الوثنيين المجتمعين عند شجرة البلوط المقدّسة في غايسمار لعبادة الإله الثور. وقد وصل القديس مع تلاميذه إلى الغابة، وفيما كان الوثنيون يستعدّون لتقديم قربان بشري، صرخ قائلًا: «هذه شجرة بلوطكم، وهذا صليب المسيح الذي سيحطّم مطرقة الإله الزائف ثور». ثم أمسك فأسًا وبدأ بضرب الشجرة إلى أن أسقطتها ريح عاتية، فانقسمت إلى أربعة أجزاء. وخلف شجرة البلوط المهيبة، ظهرت شجرة صنوبر صغيرة خضراء، لتصبح لبداية جديدة وإيمان جديد.