موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
الصلاة الحقيقيّة هي وقفة إجلال وتهيّب في حضرة الله، تجعلنا نشعر بعظمته وهيبته وقدرته وجلاله، وفي نفس الوقت تُظهر لنا حنوّه وأبوّتـه الرّوحانيّة ورعايته بالإضافة إلى عجزنا وضعفنا من خلال مواقف الحياة المختلفة.
الصلاة كلمة سريانية أصلها (صلوة) ومعناها ركع وانحنى من الفعل (صلا)، ثم استُعمِلَت في التعبير عن الصلاة بالمعنى الديني المعروف.
ولفظة "صلاة" تُعبّر عن معناها. فهي في العربيّة قريبة من الصّلة "وَصَل، يَصلُ، صِلة" أي صِلة أو رباط بين الانسان والله، بمعنى آخر لقاء مع الله. بحيث أنّ الإنسان يجعل ارادته تتّحد نوعًا ما بإرادة الخالق، تباركَ وتعالى، اتحادًا وثيقًا، ولا يحتفظ لذاته بأيّ شيء، سوى التعبير عن مشاعره بكلّ شفافيّة. في الإسلام "الصّلاة" هي الفرض الرسميّ في الابتهال إلى الله ترفعه الأمّة. والابتهال الفردي أو العفوي يُدعى "دعاء".
لا تميّز المسيحية بين "الصلاة" والدعاء" بل تميّز بين الصلاة الفرديّة والجماعيّة. والصلاة الفرديّة لا يحدّدها مكان أو زمان، أي ليس لها مكان مُعيّن أو وقت مُعيّن ويؤدّيها الفرد طبقًا لظروفه الخاصّة وأحيانًا بمفرداته الخاصّة التي تختلف من مؤمن إلى آخر.
الصلاة "الصادقة" تكشف لنا حقيقة ذواتنا وماهيّة حياتنا بلا زيف أو أقنعة. وتساعد في مواجهتنا أنفسنا من غير خوف أو وجل أو جبن ومن غير فرار أو تهرّب أو تستّر. وتُعيننا في فهم مكوّنات شخصيّتنا على طبيعتها بلا "رتوش".
كما تُمكّننا من رؤية سيّئاتنا ونقائصنا، وأيضًا حسناتنا، فنرى الأقنعة التي اعتدنا على استعمالها حتى صارت جزءًا من شخصيّتنا وكياننا، والتي نُزيلها في تلك اللحظة الحاسمة، لحظة مواجهتنا لأنفسنا أمام حضرته تعالى، لنُدرِك كلّ ما في داخلنا من ضعف بشري وتصنّع وزيف أو خبث ولؤم.
لحظة المواجهة تلك هي لحظة الصدق مع أعماق نفوسنا الخفيّة الغامضة. وفي تلك اللحظة التاريخيّة نضع اصبعنا على الجرح، ونفهم ضعفنا وعجزنا ونكتشف خطايانا وعيوبنا وقبحنا، وهكذا نُشخّص الداء الذي تُعاني منه نفوسنا. ومن ثمّ نطلب منه تعالى الدواء الناجع والبلسم الشافي والعلاج المناسب لحالتنا.
وهنا تُصبِح الصلاة حديثًا ودّيًّا يسمو بالعباد وعلاقة خضوع وطاعة ومخافة وإجلال، علاقة تتّصف بالعمق لا تكتفي بصيغ وطقوس، لأنّ الإيمان هو إدراك وجدانيّ لوجود الله في حياتنا، وحياة صالحة نحياها، وليس مجرّد اعتناق لمجموعة عقائد.
"الصلاة سلاح عظيم، وكنز لا يفنى، وميناء هادئ، وسكون ليس فيه اضطراب، وتعبير عن مكنونات القلب. وضرورة الصلاة باستمرار (حتى لو شعرنا بعدم الرغبة في الصلاة)، فهي طريق لامتلاء القلب بالله واستنارته، وغسل الخطايا بالدموع الصادقة، واستقبال رحمة الله، مع التركيز على ذكر اسم السيّد المسيح باستمرار" (من أقوال الآباء القديسين عن الصلاة).
مع الصلاة الصادقة يُلبسنا الله جمالاً روحانيًا... وهكذا تتضّح علاقتنا معه تعالى من جديد بأجلى صورة في مسيرتنا التي لم نعرفها مسبقًا.