موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ١٦ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٥
الإيمان لبّ الموضوع
الإيمان لبّ الموضوع

الإيمان لبّ الموضوع

أشخين ديمرجيان :

 

لعلّ النبي أشعيا المقدسي يخاطبنا اليوم قائلاً: "إن لم تؤمنوا، لن تأمنوا"! نفس العبارة التي قالها للملك المرتاع آحاز. أمّا القديس بولس فقد كتب: "ما يبقى الآن هو الإيمان العامل بالمحبة" (غلاطية 5 : 6).

 

وعن كيفيّة تجسّد الإيمان بإمكاننا أن نقول ما يلي: مشيئة الجسد والشهوة والسلوك في الإثم والمعصية، هذه كلّها تُناقض السلوك في أعمال الخير، وتنسف من القلوب دفء الإيمان بالله، ليحلّ محلّه الشيطان، عدوّ المؤمنين الصالحين الوَرِعين الذين اتّخذ الله من قلوبهم مسكناً وهيكلاً حيّا. لنتيقّن أن الإيمان يتجسّد دوماً بأعمالنا الصالحة وأفعالنا الحميدة والالتزام بوصايا الله. وكذلك بممارسة الأسرار الكنسيّة السّبعة وحياة التوبة المستمرّة والتواصل الوجداني الدائم مع الله ، لانّنا بنعمة الله وبجوده تعالى نخلص.

 

ولا فضلَ لنا بما نتحلّى به من مشاعر إيمانيّة صادقة، لأنّ الإيمان لا ينبع منّا أو من اجتهادنا، ونحن لسنا مصدر الإيمان، بل الفضل يعود إلى الله تعالى في كلّ ما نؤمن به، وفي كلّ ما نُنجز من أعمال خير تجاه القريب. يقول الكتاب المُقدّس: "لأنّكم بالنّعمة مُخلّصون بالإيمان وذلك ليس منكم، هو عطية الله وليس من أعمال كيلا يفتخر أحد" (رسالة بولس الرّسول إلى أهل أفسُس 2: 8 و9).

 

كيف نصل بَرّ الأمان أعني بَرّ الحياة الأبديّة... بَرّ الأمان والإيمان... يتساءل البعض كيف نؤمن وحضور الله غير محسوس أو غير ملموس؟! سهل جدًا أن نختبر حضوره تعالى لدى تأمّلنا الأحداث التي نمرّ بها على الصعيد الشخصيّ، بإمكاننا حينئذٍ أن نشعر بوجوده وبرعايته مع عدم رؤيتنا لله جلّ جلاله.. وأنْ نختبر أيضًا كيفيّة تدخّله سبحانه تعالى ليحمينا ويرعانا ويعضدنا... على كلّ حال هذا اختبار شخصيّ، وهذه علاقة فرديّة تأتي، مع ممارسة الفرد المتنوّعة في الإيمان والرجاء، ولا يختبرها غير المؤمن.

 

كما أنّ الإيمان بوجود الله عزّ وجلّ، في كلّ مكان وزمان، هو قمّة الشجاعة والبطولة. لذلك يقول الكتاب المقدّس: "طوبى للذين آمنوا ولم يروا". فلنستعدّ إذن لملكوت الله مهما شعرنا بضعفنا ووهننا، ومهما كانت ثقتنا بأنفسنا قليلة.  ولنؤمن بكلّ جرأة وحزم وعزم بعيدًا عن الخوف والجبن والشكّ واليأس. لأنّنا لن نخسر شيئًا، بل على النقيض، نكون من الرابحين، حينما يحوطنا مدبّر الكون بأسره برعايته ورحمته.

 

الإيمان من صميم القلب هو المطلوب، هذا هو اللب... ولا يُبنى الايمان بالقشور والمظاهر الخارجيّة من طقوس وتقاليد. بل يجب المحافظة على التقاليد وممارسة الطقوس والعبادات بالقلب وليس فقط بالشفاه. نحن بحاجة إلى فحص ضمائرنا بكلّ صدق وأمانة لنتوب إليه تعالى ونغتسل بدموع التوبة، طالبين رحمته ورأفته وغفرانه. ليتنا نرسو على بَرّ، والقصد هنا بَرّ الحياة الأبديّة كنه وجودنا... بَرّ الأمان والإيمان والتوبة. وأيضًا ليتنا نرسو على البِرّ، قبل استفحال الأمر. وقبل فوات الأوان!

 

ويقول "غرين" الكاتب: "أي إنسان إذا ألقى نظرة فاحصة على ضميره، يركع أمام الله طالباً الغفران والرحمة، وهو يموت من الخجل". "إنّ ما يجعلني عدوّاً للشهوات، هو أنها تقتل في الإنسان المقدرة على الحبّ الشريف. ولا شيء بارد، جامد كالإنسان الساعي وراء اللذات". " كلّ مَن لا يتوجّه إلى الله بطريقة أو بأخرى، يضجرني حتى الموت".

 

 

خاتمة

 

جميل قول جبران خليل جبران، الفيلسوف والأديب والشاعر، في الأبيات التالية التي تُبلور حكمته واهتمامه بكنه الوجود: "يا نفس إنّ قال الجهول الروح كالجسم تزول وما يزول لا يعود.. قولي له إنّ الزهور تمضي ولكن البذور تبقى، وذا كنه الوجود".