موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
ورد في لوقا 1 : 28 من الإنجيل المقدّس ما يلي: "فدخل إليها المَلَك وقال: سلام عليك (وفي اليونانيّة: إفرحي، أو مرحى لبهائك") أيتها الممتلئة نعمة! الرب معك".
درجت العادة أن يحيّي بعض المؤمنين سيّدتنا مريم العذراء بقولهم: "أيتها المنعَم عليها"، بدل "مُمتلئة نعمة". هل هذا الكلام دقيق من حيث المعنى والمبنى؟ إنّ تعبير يا "ممتلئة نعمة" وصف جيّد لحالة الحظوة والعطيّة الفريدة والطهر والقداسة التي تنفرد بها مريم العذراء بإنعام وحيد من الله. وهذا ما دفع العلاّمة أوريجانوس إلى القول: "لا أذكر أني قرأت هذه العبارة في أي مكان آخر في الكتاب المقدّس، إنّه سلام يقتصر على مريم العذراء فقط".
"المُنعَم عليها" تُقابلها باليونانية لفظة "خاريتومينيه". ولكن لقد وردت الصيغة الكاملة الشاملة "كِخاريتمونيه" (يا "ممتلئة نعمة") وردت مرّة واحدة في كلّ العهد الجديد، فقط في هذه الآية. وصْف سيّدتنا مريم العذراء بأنّها "الممتلئة نعمة" وصف خاص بها وحدها ويعبّر عن صفتها المميزة، بمعنى "المتمَّم فيها الإنعام" وليس فقط "المُنعَم عليها".
كلمة "كِخاريتومينيه" تدلّ على فعل إنعام وعطاء تمّ بشكل كامل. وقد نقلَتْه (أي ترجَمَتْه) بذكاء كبير الترجمة السريانيّة "الپشيتا" بالعبارة الصحيحة: "يا ممتلئة نعمة". وفي الترجمة اليسوعية لو 1 : 28 - فدخل إليها فقال: "إفرحي، أيتها الممتلئة نعمة، الرب معك". في البولْسية لو1: 28 - فلمّا دَخلَ الملاك إليها، قال لها: السّلام عليك، يا مُمتلئة نعمة، الرّبّ معك". في الترجمة الكاثوليكية لو 1: 28 - فدخل إليها فقال: "إفرحي، أَيّتها المُمتلئة نعمة، الرّبّ معك".
وامتلاء السيّدة العذراء بالنعمة، يعني الطهر الكامل ويخالف تماماً حالة الخطيئة، فهي في فكر الله منذ الأزل، وممتلئة نعمة منذ الحبل بها، وليس فقط في ساعة مولدها أو في ساعة حملها العذريّ البتوليّ بالطفل يسوع .
ومن المؤسف أنّ هناك مَن يفضّل "المنعَم عليها" إمّا بسبب جهله للنصّ اليوناني الأصليّ وبالذات للفرق بين الصيغتين اللتين ذكرناهما، أو معاذ الله بسبب تجاهله للسيّدة العذراء، مع أنّها –منها السلام– تنبّأت: "ها منذ الآن تطوّبني (أي تهنّئني) جميع الأجيال" (لوقا 1 : 48).
كما أنّ الآية 28 المذكورة أعلاه هي بمثابة المحور اللاهوتي والكلاسيكي للعقيدة التي تصف سيّدتنا مريم العذراء بسيّدة "الحبل بها بلا دنس". وهذا هو جواب الكنيسة للمعترضين على هذه العقيدة.
كما أطلق المسيحيون الأوائل على مريم لقب "آجيا تي بارثينوس" وهو اسم علم بمعنى "العذراء القدّيسة"، ما زالوا حتى اليوم يُشيرون إليها بعبارة "إي باناغيا" أي "كاملة القداسة". وبما أن السيّد المسيح أوصانا أن نكون "حكماء كالحيّات وودعاء كالحمام"، وأمرنا القديس بطرس أن "ندافع عن الرجاء الذي في قلوبنا بوداعة ووقار"، فعلينا أن نعي ونجعل المؤمنين يعوا والمؤمنات،أنّ المحاولات المؤسفة لتجاهل العذراء والتذرّع باعتراضات (مردودة) على بتوليّتها الدائمة، ما هي إلاّ ذرائع لتبرير عدم إكرامها عندهم، وعدم تطويبها أي عدم تهنئتها، بخلاف الإنجيل المقدّس.
ما أجمل ما قيل عن مريم العذراء في سفر الرؤيا 11 : 19 "وانفتح هيكل الله في السماء... وحدثت بروق وأصوات ورعود وزلزلة وبَرَد عظيم. وظهرت آية عظيمة في السماء امرأة متسربلة بالشمس والقمر تحت رجليها وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكبًا".
في أجواء الاستعداد للميلاد المجيد نسأل العذراء أمّنا مريم أن تتشفّع لديه تعالى، للأحوال المأساوية التي يعاني منها شرقنا المكلوم الممزّق أشلاء أشلاء في شتّى أنحاء العالم، استجب يا رب!