موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ١٩ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٢
من أجل حياة سعيدة
أنشر الحب حيثما ذهبت...

أنشر الحب حيثما ذهبت...

أشخين ديمرجيان :

 

استهلّ علماء النفس سنة 1938 دراسة استمرّت 75 عامًا، بحثوا فيها المراحل العمريّة في حياة  724 رجُلاً، من مرحلة المراهقة إلى الشيخوخة، وجُمعت عنهم بيانات من مختلف مجالات حياتهم للإجابة على السؤال الأساسيّ: "كيف يحقّق الإنسان السعادة؟" -كان الاستنتاج من هذه الدراسة حاسمًا لا رجعة فيه– علاقات الناس مع بعضهم البعض، خاصةً "المحبّة" التي يتبادلونها، هي الأمر الجوهريّ وجُلّ ما يحتاج إليه من أجل تحقيق حياة سعيدة!

 

لقد وصف المشرف على الدراسات طريق السعادة ببناء ضخم يستند على عمودَين يدعمانه:  الأوّل هو المحبّة، والثاني هو إيجاد طريقة للتعامل مع ضغوطات الحياة بشكل لا يُسيء إلى المحبّة. وهذا يعني أنّ المرء اذا امتلك كلّ أموال العالم، أو تقلّد وظيفة مرموقة، أو تمتّع بصحّة جيّدة، إلخ...  ومع كلّ ذلك يفتقر إلى علاقات ناجحة مع الآخرين مبنيّة على المحبّة ، فكلّ ما لديه لن يشفع له في الحصول على حياة هنيئة.

 

تُذكّرني هذه النظريّة في علم النفس بآيات عن المحبّة نادى بها السيّد المسيح عالم النفس الأعظم ... لقد سبق السيّد المسيح علماء النفس بقرون كثيرة ليبيّن أهمّية المحبّة وعظمتها في حياة الإنسان : "تُحبّ الربّ إلهك من كلّ قلبك، ومن كلّ نفسك، ومن كلّ فكرك هذه هي الوصية الأولى والعظمى، والثانية مثلها: تُحبّ قريبك كنفسك".

 

ثمّ يدعونا الى ما هو أصعب من ذلك:

 

"سمعتم أنّه قيل: تُحبّ قريبك وتبغض عدوّك. وأمّا أنا فأقول لكم: أحبّوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلّوا لأجل الذين يُسيئون إليكم ويطردونكم... كما تُريدون أن يُعاملكم الناس، فكذلك عاملوهم. فإن أحببتم مَن يُحبّكم، فأيّ فضل لكم؟ لأنّ الخاطئين أنفسهم يُحبّون مَن يُحبّهم... لا تَدينوا لئلاّ تُدانوا ... اغفروا يُغفَر لكم. أعطوا تُعطوا. "والرحمة": يجعلها السيّد المسيح شرطًا من شروط الدينونة ويقول: "لأنّ الله سيكيل لنا بالكيل الذي نكيل به للآخرين".

 

كما أنّ النظريّة سالفة الذكر في علم النفس تذكّرني برسالة القدّيس بولس الرسول عن المحبّة كتبها إلى أهل قورنثوس: "لو تكلّمتُ بلغات الناس والملائكة، ولم تكن لي المحبّة...ولو كانت لي موهبة النبوّة، وكنتُ عالمًا بجميع الأسرار وبالمعرفة كلّها، ولو كان لي الإيمان الكامل فأنقل الجبال، ولم تكن لي المحبّة، فما أنا بشيء. وإن فرّقتُ جميع أموالي... ولم تكن لي المحبّة، فما يُجديني ذلك نفعًا. المحبّة تصبر، المحبّة تخدم، ولا تحسد ولا تتباهى ولا تنتفخ من الكبرياء،ولا تقفعل ما ليس بشريف ولا تسعى إلى منفعتها، ولا تحنق ولا تُبالي بالسوء، ولا تفرح بالظلم بل تفرح بالحقّ. وهي تعذر كلّ شيء... وتتحمّل كلّ شي. المحبّة لا تسقط أبدًا. وأما النبوّات فستبطل، والألسنة ينتهي أمرها، والمعرفة تبطل... فالآن تبقى هذه الأمور الثلاثة: الإيمان والرجاء والمحبّة، هذه الثلاثة ولكنّ أعظمها المحبّة ( 1 قور 13 : 1وت).

 

تقول الأمّ تريزا القدّيسة: "أنشر الحب حيثما ذهبت، وأوّلاً وقبل كلّ شئ في بيتك. امنح أولادك حبًّا، امنح زوجتك حبًّا. امنح جارك حبًّا. إن أتى أحد إليك، لا تدعه يتركك إلاّ وهو أفضل حالاً وأكثر سعادة ممّا كان عليه قبل زيارتك. ليكن التعبير الحيّ عن عطف الله: في وجهك، في عينيك  في ابتسامتك وفي ترحابك الحارّ".

 

 

خاتمة

 

ركّزت القدّيسة تريز الصغيرة حياتها على إتقان الواجبات الصغيرة التي تُعدّ تافهة وبذلك وصلت إلى قمّة القداسة، لأنّها أحبّت الربّ والقريب بإخلاص.