موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ٢٣ سبتمبر / أيلول ٢٠٢١
ظاهرة القرن العشرين… البادري

الخوري جوزف سلّوم :

 

هناك في مكان ما، في جنوب إيطاليا، تعبق رائحة المسيح الزكيّة في دير مار يوحنا روتوندو.

 

هناك تلتقي البادري بيو، وجه الراهب الكبّوشي العاشق للمسيح، الذي عاش في المسيح، وغمرته النعمة الإلهيّة بإنعامات وبركات وخيرات روحيّة، فأضاء رحاب المكان بإشعاع روحي وإيمان ثابت ومحبّة متّقدة وسيرة تليق بالقديسين.

 

وصار طريقًا ومثال حياة، يجذب الكل نحو سرّه، وبطولته الروحيّة، وسرّ الصليب الذي عانقه طوال 50 عامًا، حاملًا في جسده سمات جراح المسيح، على خطاه ومن أجل معاناة أهل الأرض، حمل الصليب وذاق كأس الألم، يشترك في آلامه ويسير الدرب بهدي الروح، باحثًا عن ملكوت السماء ومجده، وهو يردّد ما قاله بولس الرسول في رسالته إلى أهل كولوسي (كو 1: 24): "إني أفرح بالآلام التي أعانيها من أجلكم، وأتمّ في جسدي ما نقص من آلام المسيح، من أجل جسده الذي هو الكنيسة".

 

رجل النقاء هو، جعل الأبديّة في فؤاده؛ كان قلبه صالحًا، حرسته شريعة الله وكلمته، نهجه هدوء الحواس وعلى لسانه تسبحة دائمة، ملك الله على قلبه، فصار غريبًا عن الأرض وسفيرًا للحياة الأبديّة.

 

رجل الحبّ هو، قال الأب بيو: "إن الحبّ لا يحتمل التأجيل". هذا الحبّ الذي جعله يطلق فكرة المستشفى، بيت الألم الممجّد، فأخرج من جيبه قطعة ذهبيّة قدّمها له أحد الحجّاج، فكان أوّل من تبرّع للمستشفى الجديد.

 

وأوصى أن يتحلّى الإنسان بالحكمة والحبّ، وأن للحكمة عيون وللحبّ أرجل.

 

رجل الآلام هو، فقال: "تحت الصليب، تلبس النفوس النور وتضطرم حبًّا، وتتّخذ أجنحة تطير بها".

 

تألم جسديًّا، شارك في حمل الجراح 50 عامًا بصبر وطاعة ورجاء.

 

تألم روحيًّا بسبب الخطايا التي كان يسمعها في كرسيّ الاعتراف على مدى 16 ساعة يوميًّا، فأمضى حياته في كرسيّ التوبة.

 

تألم معنويًّا لأن الناس لم يفهموا معنى تحمّله الجراح، فسخروا منه كما سخروا من المسيح، لكن حسب التلميذ أن يكون مثل معلّمه.

 

وندرك أن البادري حمل الصليب، بعد القيامة، الصليب الممجّد، لذا اختفت علامات آلام المسيح يوم موته في 23 أيلول 1968.

 

رجل التكرّس والصلاة هو، بعيدًا عن المجد الباطل وروح المتعة وعبادة الذات، ذلك المجد الذي اعتبره "عثّ القداسة".

 

زهد في كل شيء، وتزيّن بفضيلة التجرّد والبساطة والتواضع، فعاش وحيدًا مع الوحيد، وأشرق مجد الربّ في كلامه وأعماله وسيرته، فأضحى قديس القرن العشرين… بادري بيو مثالنا وشفيعنا.

 

ولقد دوّن على الصورة التذكاريّة يوم رسامته الكهنوتيّة: “يسوع، يا نفسي وحياتي، وأنا أرتجف، أرفعك في سرّ الحبّ. معك أرغب في أن أكون للعالم طريقًا ومثال حياة، ولأجلك كاهنًا قديسًا، ذبيحة كاملة”.