موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ١٣ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢١
الوردة مؤسسة راهبات الورديّة

بقلم أشخين ديمرجيان :

 

في هذه الأيام، مع بداية تساعية الاستعداد لعيد القدّيسة ماري ألفونسين -مؤسسة راهبات الورديّة- تُنظّم المدرسة في القدس زيارات حجّ لضريح القدّيسة ماري الفونسين للتبرّك. ويتخلّل الزيارة محاضرات وصلوات وحلقات نقاش ونشاطات أخرى. وتستمر هذه الزيارات حتى يوم الاحتفال بعيدها في أواخر هذا الشهر.

 

أبصرت القدّيسة ماري ألفونسين النور عام 1843 في القدس باسم سلطانة دانيل غطّاس، من أبوين ورعَين. والدها دانيل غطاس، ووالدتها كاترينا أنطون يوسف من العائلات العريقة في القدس والمُتميّزة بالتقوى ومخافة الله. وكان دانيل نجارًا للآباء الفرنسيسيين. وقد أنجبت له زوجته تسعة عشر ولدًا، توفّي أحد عشر منهم في سن مبكّرة. وأبقى لهما الربّ خمسة بنين وثلاث بنات. وقد كرّسنَ الفتيات حياتهنّ للربّ، وسيمَ شقيقهنّ أنطون كاهنًا. أمّا الباقون فاختاروا الحياة العلمانيّة بنجاح.

 

 

الالتحاق بدير راهبات مار يوسف 

 

شاءت الصُدَف أن تكون سلطانة من الفوج الأوّل الذي باشر الدراسة في مدرسة (راهبات القدّيس يوسف) وهي في الخامسة من عمرها. عام 1860 التحقت بدير راهبات القديس يوسف، وكما جرت العادة أُعطيت اسمًا جديدًا وأصبحت تُعرَف بالأخت ماري ألفونسين. وتبنّت شعارًا لحياتها وهو "التفاني حتى الموت".

 

قامت ماري ألفونسين بتدريس اللغة العربية. كما نجحت في إنشاء أخويّة لبنات مريم اختارتهنّ من صفوة طالبات المدرسة باسم "أخويّة الحبل بلا دنس" تكريمًا لامتياز العذراء الفريد الذي أعلنه رسميًا البابا بيوس التاسع سنة 1854. كما قامت بتأسيس أخويّة أخرى للأمّهات المسيحيّات، لما كانت تتمتّع به من نشاط وغيرة رسوليّة. بناءً على طلب رئيستها انتقلت الأخت ماري ألفونسين إلى بيت لحم ما بين 1865–1870 للقيام بالرسالة نفسها، لكنّها لم تقطع صِلتها بالأخويّتين في القدس وكانت تقوم بزيارتهما من حين الى آخر.

 

 

ظهورات سيّدتنا مريم العذراء

 

بدأت الأخت ماري ألفونسين بمشاهدة رؤى للعذراء مريم في بيت لحم بدءًا من عام 1874. وطلبت منها العذراء إنشاء رهبانية جديدة باسم "راهبات الورديّة المقدّسة". وحظيت بمشاهدة حياة الراهبات المستقبليّة ولباسهنّ وصلواتهنّ وأعمالهنّ. واثباتًا لحقيقة الوعود تشفّعت العذراء في شفاء عجيب لأختها المريضة رجينا. كما لبّت العذراء طلب الراهبة ألفونسين في أن تعتنق شقيقتها حنّة الحياة الرهبانيّة. وأصبحت حنّة فيما بعد إحدى الراهبات المؤسسات والرئيسة العامّة الأولى للرهبنة.

 

بناءً على ما دوّنته الأم ماري ألفونسين من رؤى، وبناءً على تسلسل الوقائع في حياتها، نستطيع القول بأن السيّدة العذراء هي المؤسس الحقيقي لأوّل رهبانيّة في الأراضي المقدّسة وهي "رهبانيّة الورديّة". ومن الجدير بالذكر أنّ الرؤى وكذلك المعجزات لم تنل شيئًا من تواضع الأم ماري ألفونسين، رغم التضحيات والصعوبات والاضطهادات التي عانت منها. ورغم الأيام القاسية بقي قلبها واسعًا حنونًا، وفي ذلك عبرة لنا.

 

يكمن السرّ في بطولة الأمّ ماري ألفونسين في اتّكالها على السماء واستسلامها الكلّيّ للعناية الالهيّة وثقتها بالعذراء مريم ثقة عمياء. وها نحن نرى حولنا في هذه البلاد المقدّسة وفي سائر أنحاء العالم الإنجازات العظيمة لراهبات الورديّة اللواتي ما زلنَ يَسِرنَ على خطوات الأمّ ماري ألفونسين، ويعتزلنَ كلّ شيء ليكنّ أمينات في أعمال الخير والبرّ والمحبّة، لأجل تمجيد الله تعالى وإكرامه على الدوام، طبقًا لأقوال الإنجيل الطاهر: "من ثمارهم تعرفونهم".

 

إنّ سلسلة ظهورات العذراء للراهبة ماري ألفونسين كان الهدف منها تبليغ رسالة هامّة ألا وهي تأسيس رهبانيّة الورديّة المقدّسة. ومنذ الظهور الأوّل بدأت الراهبة ماري ألفونسين بممارسة التقشّف والزهد. لكن معالم الطريق كانت وعرة ومُظلمة أمامها، وكان يبدو لها من الصعب جدًا ترك رهبانية القدّيس يوسف التي تكنّ لها الراهبة ماري ألفونسين عميق المحبة والالتزام، لتبدأ في تأسيس رهبنة جديدة.

 

يتبع...