موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ٦ فبراير / شباط ٢٠٢٥
الكاردينال فرناندو فيلوني يكتب: أشخاص ومواقع الرجاء
لمناسبة اليوم الدولي للأخوة الإنسانيّة الذي احتُفل في 4 من شباط، شاء الكاردينال فيلوني أن يسلّط الضوء على أهميّة ضريح النبي حزقيال في العراق، العزيز على قلب اليهود والمسيحيين والمسلمين، معتبرًا أنه يشكّل علامة للأمل، ومتمنيًّا أن تشهد بلدان الشرق الأوسط التي تعاني من الحروب نفَسًا جديدة تعيد الحياة لضحايا الاضطهاد والتمييز.
الكاردينال فرناندو فيلوني، المعلم الأكبر لفرسان القبر المقدس الأورشليمي والسفير البابوي السابق في العراق

الكاردينال فرناندو فيلوني، المعلم الأكبر لفرسان القبر المقدس الأورشليمي والسفير البابوي السابق في العراق

الكاردينال فرناندو فيلوني :

 

لقد بدأ بالفعل يوبيل الكنيسة الكاثوليكية وقد خصّصه البابا فرنسيس للرجاء. هناك مواقع للرجاء أحب أن أذكرها، لأنها غير معروفة للكثيرين (فهي مهمة جدًا لتاريخ الوحي الإلهيّ) وأيضًا لشعوب الشرق الأوسط نفسها التي كادت تنساها بسبب الحروب والانقسامات العرقيّة والدينيّة.

 

في ربيع عام 2002، ذهبتُ "حاجًا" برفقة بعض الأصدقاء العراقيين، إلى الكفل-الحلة في مكان غير بعيد عن بغداد، توجد فيه بقايا بابل الكلدانية القديمة، وفي النجف جنوب العراق حيث يُقيم المرجع الروحي الأعلى للشيعة، آية الله العظمى السيستاني اليوم، الذي زاره قداسة البابا فرنسيس في 6 آذار 2021، هذا الحدث الذي لا يُنسى بالنسبة للمسلمين الشيعة والمسيحيين. يوجد في كفل–الحلة كنيس يهودي قديم عليه نقوش عبرية واضحة للعيان، وهو مكان يحج إليه المسلمون والقليل من المسيحيين الذين يقصدونه، بالحقيقة لا وجود لليهود في العراق منذ أن خرجت  هذه الطائفة في أعقاب الحروب العربية الإسرائيلية في القرن الماضي.

 

حسب التقليد القديم في هذا المكان يوجد قبر النبي حزقيال لهذا يعتبر هذا المكان مقدّسًا، والقبر محاط بشبكة تحميه، وهو مكان للصلاة ومحبوب جدًا خاصة من قبل النساء الشيعيات اللواتي يقصدنه لطلب والدعاء من أجل الحمل وسلامة الولادة. اليوم يجب أن نضيف في هذا المكان  الدعاء من أجل السلام والوفاق بين الشعوب واحترام الحقوق الدينية للجميع. إن النبي حزقيال هو موضع التقدير والتبجيل ولا يزال حيًّا لدى الكثيرين اليوم، حيث يُقال إن روح النبي حزقيال الذي سُبِيَ مع يواكيم ملك يهوذا إلى نينوى (الموصل اليوم، شمال العراق) سنة 597 ق.م. لا زالت تحوم في منطقة بابل، وكذا الشي روح يونان، واعظ التوبة، يقال إنها تحوم هناك أيضًا: ولكن هنا من المهم طرح السؤال هل سيبقى قبره، الذي دنسته إيزيس ودمرته، مكانًا للرجاء؟

 

من الناحية الكتابية، يُعتبر حزقيال نبي روح الله؛ فهو، برؤى عظيمة كان يعظ المنفيين، ويعزّيهم ويعلّمهم الرجاء، مذكّرًا بأن الله نفسه سيعطي "قلبًا جديدًا وروحًا جديدًا" (حز 11: 19). وهنا يتذكر المرء على وجه الخصوص الرؤيا المثيرة لمشهد العظام اليابسة، "التي تنبض بالحياة وتتخذ شكلاً بشريًا، لأن دَخَلَ فِيهِمِ الرُّوحُ فَدَبَّتْ فِيهِمِ الْحَيَاةُ، وَانْتَصَبُوا عَلَى أَقْدَامِهِمْ جَيْشًا عَظِيمًا جِدًّا جِدًّا" (حز 37: 1-14)هذه الرؤيا تحمل في طياتها، ، بشارة من الله العلي بالأخوّة لجميع الشعوب إلى الأبد. وقد كُتب بعد ذلك أن حزقيال كان يبشر بالنعمة الإلهيّة التي تسبق التوبة، وهي نظرة روحية تساعد المرء على التأمل في نيل النعمة.

 

إن احتلال الموصل ثم جزء كبير من سهل نينوى في صيف 2014، في الأيام المظلمة لداعش، اضطر الآلاف من المسيحيين والإيزيديين والمسلمين إلى الفرار، والنزوح إلى شرق وشمال كوردستان، بحثًا عن ملجأ أمن. وفي زيارة قداسة البابا فرنسيس إلى العراق وضع خطة القيام برحلة إلى هذه المناطق .

 

إن عدم الاستقرار وغياب الأمن في العراق أدى إلى تأخير تلك الزيارة الرسولية لفترة طويلة، وأضيفت إليها المخاوف من كوفيد-19. حتى تحققت هذه الزيارة الرعوية في أوائل آذار 2021 وكانت بادرة تضامن ورجاء شديدين، في أرض دمرتها الكراهية لفترة طويلة. وهنا لم يخطر بذهني فقط كلمات النبي يونان المذكور آنفًا في نينوى (القرن الثامن قبل الميلاد)، بل أيضًا كلمات ناحوم في أشور (القرن السابع قبل الميلاد) وكلمات حزقيال في بابل (القرن السادس قبل الميلاد).

 

إنّ ألاشخاص ومواقع الرجاء، الذين أصبحوا في ظروف كثيرة رموزًا للعودة إلى الله والتضامن بين الشعوب والذي يُطلب ويترجى منهم في اوقات الضيق حتى اليوم. حيث يعلمنا الكتاب المقدّس أن الله يتفقد شعبه، وسفر الخروج يذكرنا بذلك، "فَآمَنَ الشَّعْبُ وَلَمَّا سَمِعُوا أَنَّ الرَّبَّ افْتَقَدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَنَّهُ نَظَرَ مَذَلَّتَهُمْ، خَرُّوا وَسَجَدُوا" (خر 4: 31). والجموع في زمن يسوع كانت تعتقد ذلك، لأن الخير الذي كان يفعله المسيح كان يبعث الثقة في نفوسهم ويجعلهم يثقون بأن الرب يزور شعبه "فَأَخَذَ الْجَمِيعَ خَوْفٌ، وَمَجَّدُوا اللهَ قَائِلِينَ: قَدْ قَامَ فِينَا نَبِيٌّ عَظِيمٌ، وَافْتَقَدَ اللهُ شَعْبَه" (لوقا 7: 16).

 

إنّ جميع أنحاء الشرق الأوسط، ولاسيما في إسرائيل وفلسطين وسوريا ولبنان وإيران والعراق اليوم، ما يزال هناك حاجة لرؤية نبوية تدعو الشعوب إلى الرجاء والأخوّة والسلام من خلال احترام حقوق الجميع، الأغلبية والأقليات، لذا ضروريٌ جدًا إلى أن تكون هناك "سنة مقدسة" للجميع، وللكنيسة دور مهم في إنعاش هذه المسيرة.

 

الرجاء هو نسمة هواء دافئة لإعادة الحياة إلى العديد من الرجال والنساء والأطفال والمسنين والشباب الذين يتعرضون للاضطهاد والتمييز بقسوة، والذين يعيشون في أحلام الهجرة وترك الوطن بسبب تعرضهم لخيبة أمل في حياة حرة ذو كرامة.

 

إن إعادة النظر في الانقسامات الكثيرة الموجودة في المنطقة وإيجاد الحلول التي تقود إلى وحدة الصفوف في هذه المجتمعات وفي هذه المواقع، تساعد وتدعم سبل التعايش السلمي والحضاري مع احترام حقوق الجميع وبث روح الأخوّة عند اليهود والمسيحيين والشيعة والسنة والأكراد والأيزيديين والمندائيين وجميع الأقليات الأخرى.

 

إذا عمّ روح الله فلن يُقتل الرجاء، فالأخوة تصبح مُتيسرة ومُترسخة في الأجيال. فالأُخوة هي نعمة من الله والتي تجعل الإنسان يعيش زمن نعمة الحياة. ولتعزيز هذا الأمر يعود أولاً وقبل كل شيء إلى الشعب والسلطات المدنية والدينية في المنطقة، وتكون المساهمة فعالة من قِبل الجميع كل في موقعه.

 

 

(ترجمة الأخت كارولين قلب يسوع – موقع البطريركيّة الكلدانيّة)