موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ١٤ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٣
السلام هو الحلّ

أشخين ديمرجيان :

 

نصلّي من أجل السلام المنشود لدى جميع الشعوب. لقد أصبح السلام في هذا العصر على شفير الهاوية، يلفظ أنفاسه الأخيرة ويبدو على آخر رمق! ينازع ويحتضر بلا أمل منه للشفاء. مع أنّ الملائكة أنشدوا من أجل السلام فوق سماوات الأرض المقدّسة ليلة مولد السيّد المسيح! ولكن لا حياة  لمَن تنادي! "هذه الأرض تأكل أهلها" بسبب حكّام طغاة لا يرتدعون، مع أنّ الحلّ الوحيد هو السلام أوّلاً، والعدالة ثانيًا بإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، من غير استكبار ولا عنف.

 

وتبدو ملامح فصل الخريف شاحبة حزينة، تبكي الشهداء هنا في الأرض المقدّسة، مهد الديانات السماويّة، والذي يضمّ أهمّ المعالم الدينية والشواهد التاريخية. وقد سلخ بعض الزعماء عن مواطني غزّة حتّى كرامتهم وفقرهم المُدقع واحتياجاتهم الأساسية من ماء وغذاء وكهرباء، وألبسوهم ثياب الذلّ وسيقوا إلى الهوان والرعب والقهر والعبوديّة في عالم مجهول المعالم، بين أشلاء بيوتهم المدمّرة.

 

ليس ما سبق تشاؤمًا بل هو وصف أمين للأحداث التي تدور حولنا في قطاع غزة وغيرها، ويعجز المرء تمامًا عن تدوين المآسي في إطار من التعابير والكلمات المحدودة الجوفاء. و"معجزة" طوفان الأقصى وهجوم المقاتلين الفلسطينيين برًّا وبحرًا وجوًّا إلى القواعد العسكرية والبلدات والمستوطنات لأوّل مرّة خلال تاريخها الممتد لـ75 عامًا، أدّى إلى تغيير كلّي مفاجىء في غمضة عين، ممّا جعل اسرائيل والعالم أجمع وجعلنا نقف مشدوهين عاجزين غير مُصدّقين... تحية إلى أبطال غزة الصامدين الذين أعادوا اهتمام العالم بالقضية الفلسطينية التي طواها التجاهل والتغافل.

 

ولكن للأسف لربّما تخدم هذه الأحداث مصالح اسرائيل من أجل تحقيق إحدى الأهداف التالية أو كلّها: تدمير غزّة بالكامل وترحيل مواطنيها إلى مصر. ومن الممكن أن تكون بداية لتحقيق حلم "دولة اسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات". ثمّ يزحف لاعبو الشطرنج رويدًا رويدًا إلى لبنان، وبعد ذلك إلى سوريا. ثمّ إلى مصر أمّ الدنيا. أمّا الفرات فهي أصلاً لقمة سائغة سهلة البلع بين يديّ الاسرائيليين. كما أنّ وصول حاملة الطائرات الأمريكية إلى المنطقة الجنوبية من اسرائيل لدعم اسرائيل يُسهّل تحقيق هذه الأطماع، ويُثير علامات استفهام كبيرة.

 

ومن أطماع اسرائيل أيضًا الاستيلاء على حقل "غازمارين" في بحر غزة. وهو أوّل حقل اكتُشف في مياه شرق المتوسط في نهاية القرن الماضي، قبل حقول الغاز المصرية والاسرائيلية. وكان دافعًا لتلك الدول وغيرها في حوض البحر المتوسط الشرقي لتكثيف عمليات التنقيب. ويكفي الغاز قطاع غزة والضفة الغربية لمدة 15 عامًا، حسب معدّلات الاستهلاك.

 

بما أنّ الحرب يقع بدافع من الغرور والاستعلاء تقول الوصية الأولى من وصايا الله العشر: "أنا هو الرب إلهك، لا يكن لك إله غيري". وتتبعها وصايا أخرى تُنهي الإنسان: "لا تقتل"، و"لا تشتهِ مقتنى غيرك"، لأنّ الحرب يؤدّي إلى القتل وإلى مصادرة ممتلكات الآخرين.

 

طريق السلام هو الطريق الأمثل وسيّد الأحكام. والعزّة الإلهيّة تُنادي بإنصاف الشعوب وتُحذّر من سلب ونهب البيوت والأراضي. بينما تُبارك صانعي السلام: "طوبى للساعين إلى السلام لأَنّهم عيال الله يُدعَون" (متّى 5: 9). "عيشوا بالسلام وإله المحبّة والسلام سيكون معكم" (2 قور 13: 11).

 

 

خاتمة

 

ومع دموع الأطفال والشيوخ والمكلومين نقول: أنظروا أيّها الحكّام المستبدّون إلى السماء والأرض، ولا تنسوا أنّ الله خلق الكون من العدم، وجَبَلَكم مثل جميع البشر من التراب وإلى التراب سوف تعودون، ولا تعتقدوا أنّكم أفضل من غيركم. "إنّك أيها المجرم تسلبنا الحياة الدنيا، ولكن مَلك العالم، سيُقيمنا لحياة أبديّة" (مك الثاني 7: 9).