موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ٢١ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٣
الثراء... لا يُقاس بالمال

أشخين ديمرجيان :

 

يحزّ في قلوبنا ما شاهدناه من شقاء البشر أجمعين، ونصلّي مع البابا القدّيس يوحنا بولس الثاني الذي يتضرّع إلى الله أن يحنو على صلابة الإنسان ويجعل العالم الممزّق بالصراعات مستعدًّا للمصالحة، ويلتزم الجميع في السعي الأمين إلى السلام الحقيقي. آمين!

 

وصلتني هذه القصة من بعض الأفاضل باللغة الانجليزية، ويبدو أنّها مُتَداولة في بعض المواقع الالكترونيّة، فقمتُ بترجمتها بتصرّف، لما فيها من بساطة وتبصّر وحكمة... لكني في النهاية قمتُ بإضافة ما توصّلتُ إليه من استنتاجات.

 

"في صبيحة أحدى الأيام، خطر على بال رجل ثري أن يصحبه ابنه في زيارته إلى بلدة فقيرة مُجاورة. وكان في نيّة الأب أن يُبيّن لابنه كيف يعيش الفقراء. وبعد أن أمضيا وقتًا ممتعًا في مزرعة تعيش فيها أسرة فقيرة، أزفت ساعة العودة إلى البيت.

 

وفي طريق العودة إلى البيت سأل الأب ابنه: "كيف كانت الرحلة؟ وهل استمتعت بها؟" أجابه الصبي بأنها كانت رحلة ممتازة، وبأنّه استمتع جدًا. قال الأب: "أخبرني ما هي العبر والدروس التي تعلّمتها من زيارتنا لتلك العائلة الفقيرة؟".

 

أجاب الابن بلا تردّد: "لقد رأيت أنّنا نملك كلبًا واحدًا، والعائلة الفقيرة تملك أربعة. لدينا بركة ماء في حديقتنا، ولدى تلك العائلة جدول ماء ليس له نهاية. نحن اشترينا فوانيس كي نستضيء بها، وتستضيء تلك العائلة بنجوم تتلألأ في السماء، نجوم لاعدّ لها ولا حصر. نحن نشتري طعامنا من السوق، وأفراد تلك العائلة تأكل ما تزرع. نحن نملك جدرانًا عالية لكي تحمينا، وتلك العائلة تملك أصدقاء كثيرين يحمونها. لدينا خدم وحشم يقومون على خدمتنا، وأفراد تلك العائلة تقوم بخدمة بعضها. باحة بيتنا تنتهي عند الحديقة، وللعائلة الفقيرة امتداد الأفق! نحن نسهر أمام التلفاز، وأفراد تلك العائلة تسهر مع بعضها. نحن نتّكل على العالم، وتلك العائلة تتّكل على الله".

 

ثمّ أردف الطفل قائلا: "شكرًا لك يا أبي لأنك أظهرتَ لي مدى فقرنا".

 

هذه هي أحداث القصة القصيرة ولكم الحكم. من المؤكد، كان والد الطفل صامتًا يستمع إلى ابنه، عاجزًا عن الكلام، مشدوهًا لحسن رأي ابنه وعمق تفكيره. وقد أدرك الطفل أهمّيّة الأشياء التي لم يتعمّق بها من قبل. كما وحلّل الطفل واقع الأمور، ونظر للأشياء بقلبه لا بعينه، ونطق بعقله لا بهواه، فلم يتوّقف على المظهر بل أدرك الجوهر.

 

المغزى من هذه القصة أنّه ليس بالمال يُقاس ثراء الإنسان، بل بالأصدقاء والقيم الأخلاقيّة والتحلّي بميزة البساطة في شؤون الحياة، أضف إلى ذلك التحلّي بالعواطف الإنسانية النبيلة والمحبّة الصادقة. كما أنّ علاقتنا الشخصيّة بالله عزّ وجلّ والمبنيّة على أسس ثابتة وصحيحة هي التي "تُثرينا" لأنّ الله وحده هو الغني. وهو الذي يُضفي على نفوسنا الأمل ، ويملأ حياتنا بالبهجة والرضى.

 

 

خاتمة

 

إنّ السعي وراء الثروة بطريقة مبالغ فيها هو طريق محفوف بالمخاطر بالنسبة للمؤمن، وهو طريق يحذّرنا منه الله في الإنجيل الطاهر: "لأنّ حبّ المال أصل كلّ شرّ، وقد استسلم إليه بعض الناس فضلّوا عن الإيمان وأصابوا أنفسهم بأوجاع كثيرة " (1 تي 6: 10).

 

لو كان السعي وراء الثروة مطلباً مناسباً لكان السيّد المسيح قد سعى وراءها. ولكنّه لم يفعل ذلك مفضلاً "ألاّ يكون له ما يضع عليه رأسه" (متى 8: 20) واقتدى تلاميذه به. "لأنّه ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه ؟" (مرقس 8 : 36).