موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ٩ يونيو / حزيران ٢٠٢٠
الأب سليمان شوباش يكتب: تقاليدٌ وعاداتٌ جديدة في خدمة الإنسان
الأب سليمان شوباش، راعي كنيسة القديس جورج الشهيد في مدينة اربد، شمال الأردن

الأب سليمان شوباش، راعي كنيسة القديس جورج الشهيد في مدينة اربد، شمال الأردن

الأب سليمان شوباش - اربد :

 

تحية طيبة للجميع،

 

لكل زمانٍ رجالهُ وظُروفه التي تُحفَرُ في الإنسان وتنسِجُ علاقاتٍ ومظاهرَ جيدةً في المجتمع بخيوطٍ مِنَ العاداتِ الإجتماعية التي تُصبح مع الوقت أعرافاً وتقاليد مُقدسة. وهنا قد يَبرُز الخطرُ بأن نَدخل في دوامةٍ مِن التكرار الأعمى ونَختبيءُ في ظلِ تقاليده إما خوفًا من التقصير أو التَعيير من الناس أو حتى تأنيب الضمير. وننسى هنا أن هذه التقاليد إنما وضعت في خدمة الإنسان وليس العكس، على حدِّ قول سيدنا يسوع المسيح: "إن السبت جُعل للإنسان، وما جعل الإنسان للسبت. فابنُ الإنسان سيد السبت أيضا" مرقس 2/27.

 

في الماضي كان كرم الضيافة والسخاء في الخدمة وتقديم الولائم عُربون شُكرٍ وتقديرٍ للزائر الكريم، كيف لا وهو الضيفُ الذي سافر أياماً على ظهر الدابةٍ او سيراً على الأقدام ليقومَ بواجبِ العزاء او التهنئة، وذلك حقٌ وواجب. أما اليوم فقد اختفت تلك الحاجةُ نظراً لتوفّر السيارات الخاصة والمواصلات العامة، وأصبحت أبعد مسافة لا تأخُذ أكثر من ساعة إلى ساعتين. في الماضي لم يكن هناك استراحات او مطاعم، أمّا اليوم فهي مُكتظة بالزبائن ويمكن لأي شخص أن يجد ما تشتهيه نفسه من طعام وماء ومُرطبات بكل يُسرٍ وسهولة وبأرخص الأسعار حتى أنه يستطيع يُصبِّر نفسه إلى أن يصل إلى البيت. اليوم لم يعد فينا أحدٌ جائعا لا للطعام ولا للماء، والدليلُ هو كميات الطعام الكبيرة التي تُلقى في النفايات وتَعبقُ برائحتها صالاتنا وقاعاتنا في المناسبات. اليوم أصبحنا جائعين للإحترام والمحبة والمـُشاركة الأخوية وغياب النميمة وعمل الخير والصلاة من اجل أصحاب المناسبة وإتحاد الأقارب في الفرح والترح ونسيان الخصومات العائلية بعيداً عن عقلية السداد والدَين "حتى الدمع بالعين" وتصفية الحسابات والحشمة في الملبس...الخ. لماذا هذه الإنتقائية في التعامل مع الموروث؟ إذ سمحنا لأنفسنا بأن نواكب الحداثة في الملبس والمأكل والديكور والأغاني والسيارات والمكياج وأساليب التواصل الأجتماعي الحديثة...إلخ ونرفض في نفس الوقت أن نتخلى عن بعض العادات التي نشعر أنها تخنقنا لضيقها علينا! لا لعجزنا عن عَملها او تقديمها وإنما لعدم جَدواها وإستهلاكها الكبير للطاقة والجهد والمال والله أعلم إذا كانت ستُعجب بعض الضيوف الكِرام أم كالعادة سيكون المنُتقدون أكثرَ مِن الشاكرين؟ على رأي المزمور 41/9: "حتى صديقي الحميم الذي اتكلت عليه فأكل خبزي، وهو رفع علي عقبَه" أو (عذرًا على التشبيه) كما قال يسوع في يهوذا الإسخريوطي الذي متى 26/23: "الذي يُسلمني هو الذي وَضع يدهُ في الصَحفةِ معي (أي الصَحن الصغير)".

 

ما هو الحلّ مِن الكتاب المـُقدس؟

 

الحل بحسب الكتاب المقدس هو بتغليب المحبة على كل شيء وزراعتها في كل شي حتى في اصغر خِدمة او ابتسامة او واجب. وبحسب رسالة القديس بولس إلى اهل رومة الفصل 13 و14 وهنا أُذَكِّرُ نفسي معكم، بأن ملكوت الله ليس أكلاً وشربًا، بل برٌ وسلام وفرح في الروح القدس. وبأنّ ما يُرضي الله ليس البذخُ ولكن في السعي إلى ما غايته السلام والبنيان والمحبة المـُـتبادلة. وانه لا يجوز لأي أحد يَهدم او يَنتقد صُنع الله (أي الإنسان الآخر) من أجل طعامٍ او شرابٍ. وأنه لمِنَ السوءِ أن يأكُلَ المرءُ لحماً او أن يشرب خمراً فيكون حجر عثرةٍ لغيره وينسى أخاه الفقير أو الجائع. والطوبى لمن يبتعد عن الشراهة والسُكر، والفاحشة والفجور، والخِصام والحسد في مجالسنا وحفلاتنا. وأخيرًا أن لا يكون علينا دَينٌ لبعض إلا محبة بعضنا، فمن أحبَّ غيرهُ أتمَّ الشريعةَ وكان أبناً حقيقياً للآب السماوي واخاً حقيقياً ليسوع المسيح وتلميذاً مُصغياً للروح القدس.

 

ما هو الحلّ مِن ناحية اجتماعية؟

 

اقتراحي الشخصي الذي أدعو جميع ابنائنا المؤمنين لتبنّيهِ وتطويرهِ كُلٌّ حسب وَضعهِ وحاجته:

 

في حالات الوفاة:

 

1. في الأيام الأولى للوفاة يجبُ على الناس ألا يتوافدوا لمنزل الفقيد/ة إلا لمَن كان من المـٌقرّبين جدًا جدًا وذلك للمواساة والمساعدة وعمل الترتيبات اللازمة. فليس من المعقول أن يرتبكَ أهلُ الفقيد بإكرام الضيوف وعمل الشاي والقهوة واستئجار الكراسي والصيوان....الخ ودمعتُهم لا تزال في عيونهم وصدمتهم لم تبرُد بعد! وخصوصًا أنه ما من بَيتِ مهما كَبُر يتسع لأعداد كبيرة، وأنَّ مكان المشاركة في واجبِ العزاء هو القاعة العامة وليس في البيوت الخاصة. مِن حق ذوي الفقيد أن يحظوا بمساحة خاصة يحزنون فيها بدون أن تلاحقهم عيون الناس. وعلى مَن حضر للبيت، أن يكتفي بتقديم الماء فقط دون المشروبات الساخنة أبداً وعدم تقديم الطعام أو شراء وجبات جاهزة للحضور. على الأقارب والأصدقاء هنا ان يكونوا خفيفي الظلّ في زيارتهم، غير مُتطلبين ومُتذكرين انهم موجودونَ لتقديم الخدمة والمساعدة وليس لتلقيها. وعلى أهل الفقيد الإعلان عن الوفاة عبر وسائل التواصل الإجتماعي وعدم إلزامية الإعلان في الجرائد نظراً لقلة استخدامها وأسعارها المرتفعة جدًا.

 

2. يوم الدفن في البيت: يتم عمل غداء مُقدَّم مِن الأقارب او العشيرة لذوي الفقيد وأقارب الدرجة الأولى فقط. يتم ذلك قبل بوقت مِن وصول الجثمان للمنزل للوداع الأخير. وبعد ذلك لا يتم تقديم أي غداء او عشاء طوال أيام الحزن الثلاثة. ويكون وقت صلاة الدفن بين الساعة الرابعة والخامسة ظهراً ليتمكن الناس من الراحة والأكل في بيوتهم قبل المجيء.

 

3. اثناء الدفن، عدم المـُبالغة في الصرفِ على الورود والتابوت والسيارة...الخ إختاروا ما يتناسب مع حاجتكم وقدرتكم فقط، فكل ذلك سيُدفن في التراب بعد لحظات. وأنتم أيها المـُشاركون في الدفن، لقد اتيتم للمشاركة في الصلاة ووداع الفقيد، وليس للضحك وتُبادل اطراف الحديث والتدخين على باب الكنيسة ورائحة البخور وصوت التراتيل ما تزال تصدح مِن الكنيسة مصحوبةً بالآهات والدموع، اذكروا انكم في حَرمٍ مُقدس، هو الكنيسة والأرض التي فيها يرقدُ جميع اخوتكم في القبور، الشاهدين على زوال ألق هذا العالم، وإلا فلتنتظروا في القاعة العامة ولتأخذ "حريتك" هناك.

 

4. بعد الدفن تُقبل التعازي مباشرة على باب الكنيسة او المقبرة لمن لا يُريد أن يذهب للقاعة. لا يوجد داعي لأن نقدم العزاء مرتين هنا وهناك، فحضورك مشكور ومُلاحظ من الجميع. اكتف بالمصافحة وبكلمة تعزية صغيرة، وابتعد عن التقبيل والعناق الحار وكلام العزاء الطويل، فهناك كورونا وامراض أخرى وشمس وعرق وطابور طويل خلفك. تُفتح القاعة ليوم واحد فقط بعد الدفن مباشرة، ويتوجه للقاعة مَن يمكنه الإنتظار او يُريد أن يُمضي بعض الوقت في ذوي الفقيد ولا يُقدَّم هناك طعام غداء او عشاء لأي احد. فقط الماء والقهوة والتمر حيث جرت العادة مع انها ليست من عاداتنا.

 

5. في اليوم الثاني بعد الدفن يُترك أهل الفقيد للراحة نهاراً في بيتهم بعد عناء اليوم السابق الطويل. ويُفتح البيت للعزاء ظهراً بدل القاعة، على ان تكون زيارات الضيوف سريعة ولبقة ويَبلُغ عليها مشاعر الحزن والمؤآساة. وفي اليوم الثالث بعد الجُناز، يُقبَل العزاء فقط على باب الكنيسة لمن حَضر مع تقديم خبز الرحمة فقط (وليس السليقة) عن روح المرحوم/ة مع مراعاة ما تم ذكره في النقطة 2و3. ويُمكن لأي شخص لم يتمكن من تقديم الواجب التنسيق وزيارة أهل الفقيد او الإكتفاء بالعزاء عبر الهاتف أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي.

 

6. مِن حق ذوي الفقيد التوفير والإقتصاد ما امكن، فهو ليس "موت وخراب بيوت" ويمكنهم تقديم جزء مِن هذا المال للكنيسة او لصندوق الفقير ويقوم الكاهن بعد صلاة الدفن او قداس الثالث بشُكر أهل الفقيد على تبرعهم وتشجيع الناس على مِثل هذه المـُبادرات دون ذكر حجم المبلغ المـُقدم، اولاً لأنها تُعدُ مِن أعمال الرحمة مِن اجل راحة نفس الفقيد/ة، وثانيًا لإزالة أي لُبس او شعور بالتقصير او البُخل تجاه أهل الفقيد.

 

في حالات الفرح:

 

1. يا حبذا لو تُصبح الخِطبة مُناسبة للصلاة وليس للسهر والشُرب والرقص. ما أجمل أن تُعقد في داخل الكنيسة ويتم بعدها تَقديم ضيافة خفيفة في خارجها. لينتقل بعدها الخطيبان وذووهما فقط للسهر والفرح في البيت او في أحد المطاعم . وأن يُقدم الخطيب فقط محبسا مِن ذهب.

 

2. عند الزواج، لا يوجد داعي لسهرات العريس والعروس والحناء والـshower...الخ. لنكن مُحتشمين ونتجنب البذخ، فنهاية الورد هي النفايات، والملابس إلى التخزين في الخزائن، وكُلّ المكياج والتسريحة التي بآلاف الدنانير. بعد الإكليل لينطلق العروسان مع عائلتهيما فقط للسهر والفرح في البيت أو في حفلة خاصة مُغلقة وبدون reception. ويُمكن للحضور أن يُقدموا "النقوط" للعرسان عند المـُباركة (مصافحة) على باب الكنيسة كُلٌّ بحسب مقدرته وليس بحسب الدَين القديم الذي بينهم. فمن قدَّم لي ألف دينار المفروض أنه قدمهم بمحبة وهو يَعرِف بوضعي وأنه لا يمُكنني في المـُستقبل أن أرُدَّ مثل هذا المبلغ. مع مراعاة النقطة الثانية التي ذكرت في دفن الموتى.

 

3. من حق العروسين بناء حياتهما الجديدة بدون دُيون وقروض، وإستغلال المبالغ التي وفروها من الحفلات في تأثيث وتجهيز بيتهم الأسري. ويمكن لهم تقديم جزء بسيط من المال للكنيسة أو للفقراء...الخ، ويُعلِن الكاهن عن ذلك في الكنيسة دون ذكر حجم المبلغ كما في نقطة رقم 6 في الوفاة.

 

4. في حال عدم الإتفاق بعد الخطبة أو الإكليل يجب على العروسين ما أمكن تقسيم التكاليف فيما بينهما وعدم إجبار الطرف الذي يَترك الآخر بالتكفُّل بكل النفقات إذ يتردّد البعض مِن الترك بسبب المال مع الأسف وتظهر المشاكل لاحقاً بعد الزواج وتنتهي بالمحكمة.

 

حماكم الله من كل شرّ ومرض وجعل بيوتكم دائمًا عامرة بالفرح والصحة.