موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ٢٦ مارس / آذار ٢٠٢٠
الغفران الكامل في زمن الكورونا: ما هو؟ ومن يحصل عليه؟ ولماذا الآن؟
الأب سليمان شوباش، كاهن رعية اللاتين في اربد - الأردن

الأب سليمان شوباش، كاهن رعية اللاتين في اربد - الأردن

الأب سليمان شوباش :

 

صدر مرسوم عن الكرسي الرسولي بتاريخ 19 آذار وأعلن البابا بعد صلاة التبشير الملائكي في 22 آذار والذي يدعو فيه قداسة البابا جميع المؤمنين للصلاة ونيل الغفران الكامل يوم الجمعة 27 آذار الساعة السادسة مساءً بتوقيت روما (الثامنة مساءً بتوقيت الأردن). فما هو الغفران الكامل؟ مَن يناله؟ مَن يُعطيه؟ ولماذا الآن؟

 

بعد القدس، كانت روما هي مركز ورحم المسيحية والإيمان الكاثوليكي، أي الذي يجمع ويوحد جميع المسيحيين في العالم أجمع، وجاءت أهمية روما سياسيًا كعاصمة للدولة الرومانية، ومركز إدارة العالم لتؤكد على إستحقاقها للقب الكنيسة الأم بشهادة الآباء في الشرق والغرب. ولا عجب إذ عاش فيها قبل الإستشهاد القديسان بطرس وبولس. وفي روما تأسست وظهرت الكنيسة بمفهومها الإداري التنظيمي المؤسسي. ومكان مسيحيو روما مِن أوائل الجماعات المسيحية الناشئة والمُضطهَدة والدليل على ذلك الرسائل التي كانت ترسل إلى أهل روما من القديسين مثل: القديس بولس والقديس اغناطيوس الأنطاكي والقديس يوحنا الذهبي الفم.

 

ويعتبر القديس بطرس هو رأس الكنيسة الرومانية الكاثوليكية ومؤسسها، فإليه أعطى يسوع مفاتيح ملكوت السموات واعلن صراحة انه "الصخر" الذي سيبني يسوع عليه كنيسته، وأعطاه مفاتيح ملكوت السماوات (يرمز لهما المفتاحان على علم الفاتيكان) أي سلطان مغفرة الخطايا على الأرض وفي السماء عندما قال له: "سأعطيك مفاتيح ملكوت السموات. فما ربطته في الأرض ربط في السموات. وما حللته في الأرض حل في السموات" (متى 16:18-19 وفي لوقا 22:32)، عندما قال له يسوع: "لكني دعوت لك ألا تفقد إيمانك. وأنت ثبت إخوتك متى رجعت".

 

إنطلاقًا مما سبق وفهم قداسة البابا، خليفة القديس بطرس، والكنيسة الكاثوليكية، لدورهما ومسؤوليتهما في خلاص أبنائهما، فقد علّمت الكنيسة في القانون الكنسي رقم 992-997 أنها تستطيع إنطلاقًا مما سبق، وبقوة سرّ الإعتراف أن تمنح الغفران الكامل الذي "هو إسقاط للعقوبة الزمنية أمام الله والمترتبة على الخطايا التي تم محوها". وبعبارة بسيطة، أي أن هذا الغفران لا يمحي الخطايا (التي تُغفر فقط في سر الاعتراف)، ولكن النتائج المُترتبة عليها بقوة استحقاقات سيدنا يسوع المسيح ونعمته، وتعفي الشخص فقط من أي فعل عقوبة أو تعويض عن هذه الخطايا على الأرض أو في السماء، لأن رغبة الله وفرحه هي في خلاص جميع البشر وليس في هلاك أي شخص منهم كما في مثل الابن والخروف الضال.

 

في الوضع العادي يُمكن لكل شخص مسيحي مُعمد ان ينال لنفسه هذا الغفران الكامل او ان يُقدمه عن نيّة أي شخص حي أو متوفى في حال توافر ثلاثة شروط: 1. الإعتراف الصادق عند كاهن، 2. التناول بإيمان، 3. تقديم أي صلاة أو تعبد شخصي من أجل قداسة البابا واحتياجات الكنيسة الكاثوليكية. وتُصدر الكنيسة هذا الإنعام الرسولي بمناسبات خاصة ومحدّدة مثلاً في عيدي الميلاد والفصح، وعند انتخاب حبر أعظم جديد.

 

ولكن في زمن وباء الكرونا هذا، أعلن البابا عن مبادرة إستثنائية انه سيعطي العالم البركة الخاصة Urbi et Orbi (أي بركة لمدينة (روما) والعالم أجمع) وفيها سيعطي قداسة البابا هذه البركة لجميع المُتضرّرين من فايروس كورونا ويشمل ذلك: جميع المرضى وجميع الأصحاء المحجور عليهم في البيوت او المستشفيات وذوي المصابين والقائمين على خدمتهم على مثال السامري الرحيم مِن أفراد العائلة والأطباء والممرضين، وجميع الذين يشتاقون لنيل مسحة المرضى والمناولة الأخيرة ولا يستطيعون. وقد طلب قداسة البابا من جميع المؤمنين الإتحاد معه بالصلاة يوم الجمعة مِن ساحة القديس بطرس الفارغة للصلاة وأن يُقدّم كل شخص صلاة حرّة -حسب وضعه وقدرته- قد تكون إما صلاة المسبحة الورديّة أو رتبة درب الصليب أو مسبحة الرحمة الإلهية او السجود للقربان (للمكرسين)، وغيرها من العبادات أو أن يتلوا أقله قانون الإيمان والصلاة الربيّة وابتهالا للعذراء مريم. وأن يضع المؤمن نيّة استيفاء الشروط العاديّة الثلاثة (سر الاعتراف، المناولة والصلاة بحسب نوايا الحبر الأعظم) بأقرب وقت ممكن بعد انتهاء هذه الأزمة. وتوصي الكنيسة خلال صلاة البابا بإعداد هيكل صغير يكون عليه صليب او مصلوب للمساعدة في الصلاة.

 

في النهاية نسأل الرب يسوع المسيح القوة والحماية لجميع الأصحاء الشفاء والرجاء لجميع المرضى والمتألمين. ونسأل الرب أن نُولد مِن رحم هذه الأزمة مِن جديد، لنذكر أننا مهما اختلفنا او تنوّعنا كشعوب يجب أن نبقى متحّدين في الإنسانية والمحبة والأخوة والشراكة في عمل الخير وبناء ملكوت الله على الأرض أي ملكوت العدل والسلام. آمين

 

مراجع إضافية مِن أقوال بعض القديسين في الغفران:

 

1. القديس بولس السادس البابا (1897-1978):

 

"نحظى "بالغفران" بواسطة الكنيسة التي نالت من المسيح يسوع سلطان الحل والربط. فبقوة هذا السلطان، تتوسط الكنيسة للمسيحي، وتفتح له كنز استحقاقات المسيح والقديسين، وتنال له، من لدن أَبي المراحم، ترك العقوبات الزمنية الناجمة عن خطاياه. وهكذا، لا تبغي الكنيسة أن تغيث هذا المسيحي وحسب، بل ان تستحثه على القيام بأعمال تقوى وتوبة ومحبة".

 

2. القديسة الأم تريزا من كلكتا (1910-1997)، مؤسِّسة الأخوات مرسلات المحبّة:

 

سرّ المصالحة: "أَلحَقَّ أَقولُ لَكُم: ما رَبطتُم في ٱلأَرضِ رُبِطَ في ٱلسَّماء، وَما حَلَلتُم في ٱلأَرضِ حُلَّ في ٱلسَّماء".

 

في يوم من الأيّام، توجّه إليّ صحافي بسؤال غريب: "هل تعترفين؟ فأجبته: "نعم، أعترف كلّ أسبوع". لكنّه أردف قائلاً: "إن كان عليك الاعتراف، فهذا يعني أنّ الله أكثر من متشدّد". عندها، قلت له: "قد يُخطِئ ابنك. ماذا يحصل عندما يقول لك: 'أنا آسف، يا أبي!" ماذا تفعل؟ تأخذ ابنك في أحضانك وتقبّله. لماذا؟ إنّها طريقتك لتعبّر له عن حبِّكَ. الله يفعل الشيء نفسه. فهو يحبَّك بحنان". إن خطئنا أو إن ٱرتكبنا أيّ خطأ، فليساعدنا ذلك لنتقرّب من الله. لنقل له بتواضع: "أعرف أنّه ما كان يفترض بي أن أتصرَّف بهذه الطريقة، لكنّني أقدِّمُ لك هذا السّقوط".

 

إذا خطئنا أو إن ٱرتكبنا أيّ خطأ، فلنذهب إليه ولنقل له: "أنا نادم، أنا تائب". الله هو أبٌ رحوم. رحمَتُه أكبر من خطايانا. وسوف يسامِحُنا.

 

3. مرجع الإعلان الرسمي للفاتيكان تجدونه في الرابط التالي:

 

http://press.vatican.va/content/salastampa/it/bollettino/pubblico/2020/03/20/0170/00378.html