موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الجمعة، ١٢ فبراير / شباط ٢٠٢١
الأب سليمان شوباش يكتب: يوم المريض ومسحة المرضى، معاني وتطبيقات
الأب سليمان شوباش، راعي كنيسة القديس جورج الشهيد للاتين في اربد

الأب سليمان شوباش، راعي كنيسة القديس جورج الشهيد للاتين في اربد

الأب سليمان شوباش :

 

في الحادي عشر من شباط مِن كُلِّ عام تفرح الكنيسة الكاثوليكية جمعاء بعيدين مهمين معاً هما: عيد أُمنا مريم العذراء سيدة لورد ويوم المريض العالمي.

 

أدخل البابا بيوس العاشر في عام 1907 هذا التذكار على رزنامة الكنيسة الكاثوليكية تخليداً لذكرى ظهورات أمنا مريم العذراء في لورد، وهي مدينة صغيرة قابعة على جبال البيرينيه في جنوب فرنسا عام 1858. هناك حيث أعلنت مريم العذراء عن نفسها قائلة: "أنا الحبل بلا دنس" وكان البابا بيوس التاسع قد اعلنها عقيدة في الكنيسة  عام 1854. وبظهور الأم البتول حلَّت نعمة المسيح، وفاضت منذ ذلك الحين بركته على تلك المغارة وعين مائها، فأصبحت واحة للحجيج والمرضى الذين ينالون الشفاءات والنِعم حتى يومنا هذا.

 

لاحقاً في عام 1992 أضاف البابا القديس يوحنا بولس الثاني إلى هذا الإحتفال المريمي يوما عالميا للصلاة من أجل المرضى ، والهدف من هذا الدمج هو التركيز على معنى الألم الخلاصي للإنسان المؤمن، ودعوة  لكل مريض ومتألم او حتى مُرافق لأحد هؤلاء، أن يلتجيء ويتأمل في الأم البتول التي عاشت بجانب المسيح بين سيف الحزن في طفولته وسيف الصليب في شبابه. فرغم كل الألم والبكاء الذي عصف بها أنذاك، لم تكفر بنعمة الله ولم تتمرد على مشيئته، بل بقيت بتولاً بلا دنس أمينة مؤمنة، تتأمل كل شيء في قلبها مُنتظرةً ليوم الإنتصار، يوم القيامة.

 

"أتوسل العون الأمومي من العذراء مريم. أَبتهلُ إلى أم يسوع كي تُصغي إلى صراخ الكثير من المـُعذبين، وتمسح دموع من يقاسي الألم، وأن تكون قريبة من جميع مرضى العالم! أيها المرضى الأعزاء، لتُقدِمنَّ مريم العذراء الفائقة القداسة إلى إبنها عطية عذاباتكم حيث ينعكس وجه المسيح على الصليب " (يوحنا بولس الثاني، رسالة بمناسبة اليوم العالمي الرابع للمريض 1996).

 

 

في هذا اليوم من كل عام يُعطي الكهنة سرّ مسحة المرضى وهو السرّ الخامس من أسرار الكنيسة الكاثوليكية، طاعةً لكلام المسيح وجرياً على تقليد الرسل الأثني عشر كما نقرأ في انجيل مرقس 6: 13: "فطردوا (أي الرسل) كثيرا من الشياطين، ومسحوا بالزيت كثيرا من المرضى فشفوهم" و16: 17: "باسمي (يسوع)... يضعون أيديهم على المرضى فيتعافون" وأيضاً في رسالة يعقوب 5: 14-15: "هل فيكم مريض؟ فليدع شيوخ الكنيسة، وليصلوا عليه بعد أن يمسحوه بالزيت باسم الرب.  إن صلاة الإيمان تخلص المريض، والرب يعافيه. وإذا كان قد ارتكب بعض الخطايا غفرت له".

 

يُعطى هذا السرّ فقط عن طريق الكهنة المرسومين، ويتم بمسح المريض او المرضى بشكل جماعي في الكنيسة مثلا أو بشكل فردي في البيوت او المستشفيات وذلك بالزيت المُقدس الذي باركه البطريرك يوم خميس الاسرار  في كنيسة القيامة. ومكان أخذ المسحة يكون بحسب الطقس الغربي على جبهة العليل ويداه (بحسب تعاليم الكنيسة الكاثوليكية 1513) والشرقي على اجزاء متعددة من الجسم والاطراف. وعند الضرورة والتعذّر تكفي مسحة واحدة على الجبين او على أي عضو آخر. ويقوم الكهنة عادةً بإعطاء المسحة باصبع يده. وفي هذا العام وبشكل خاص بسبب الوباء وحرصاً على السلامة العامة،  اوصي اخوتي الكهنة بإقتصار إعطاء المسحة على جبين المُتقدمين وليس على راحة اليدين، واستعمال أي آلة أخرى عوضاً عن الإصبع في إعطاء الزيت (مثل عيدان قطنية) بحسب ما يُجيز الحق القانوني رقم 1000.

 

في التقليدين الشرقي والغربي قديماً كانت المسحة مقصورة على المُشرفين على الموت، لذلك كان يُسمى "سرّ المسحة الأخيرة"، الذي فيه ينال مَن وصلوا إلى ساعاتهم الأخيرة المناولة الأخيرة Viaticum والغفران الكامل بالإعتراف Indulgentia. ولكن الكنيسة لم تنقطع يوماً عن الصلاة من أجل المرضى والمتألمين ولذلك قررت في الدستور الرسولي في "مسحة المرضى" -الصادر عام 1972 بعد المجمع الفاتيكاني الثاني- تعميق مفهوم السرّ وتطويره ليُصبح اسمه "سرّ مسحة المرضى" الذي يُعطى لا  للمُنازعين فقط ولكن أيضاً لكل المرضى والشيوخ الطاعنين في السن.

 

بالتفصيل، مَن يأخُذ هذا السرّ:

 

1. يأخذه كُل مَن طلبه من المؤمنين. بشرط أن يكون حيا واعيا وبالغ لسن الرشد. وقد يؤخذ أكثر من مرة في حالة عودة المرض او الألم واستمرارهما.

 

2. الذين يُعانون من أمراض مُزمنة: سكري، ضغط، سرطان، امراض قلب وشرايين، شلل، رعاش، صرع، أمراض نفسية وعصبية، تشوهات وإعاقات جسدية...الخ.

 

2. الذين يُعانون مِن آلام مستمرة ولا يوجد لها علاج: صداع مزمن، شقيقة، طنين، آلام الظهر والمفاصل، عدم انجاب البنين، الإختناق وصعوبة التنفس اثناء النوم...الخ

 

3. كل من اتم عامه السبعين والمُقبلين على العمليات الجراحية.

 

4. كل المصابين بكورونا او الذين شفوا منه ولكن ما زالوا يُعانون من عوارض ثقيلة.

 

ملاحظة: لا يجوز أن يأخذ المسحة المؤمنين الأصحاء أو أن تُؤخذ من باب "الإحتياط". ولا تُمنح للذين يُصرُّون على المكوث في خطيئة جسيمة علناً.

 

الهدف من هذا السرّ هو نيل نعمة الروح القدس في الشفاء والقوة. وإذ أنه لا يحصل الجميع على نعمة الشفاء الخاصة لسبب خفي في حكمة  الله، إلا أنه يبقى ينبوع نعمة وقوة وصبر للمريض ولمرافقيه وأهل بيته، ويعلمنا أن نتحد مع المسيح في آلامه وأن نُتم في أجسادنا ما ينقص منها (كو1: 24)

 

في النهاية، تُشجّع الكنيسة جميع الراغبين في التقدُّم من هذا السر بتحضير انفسهم روحياً وجسدياً له، وذلك بالصلاة والصوم والإعتراف والمناولة. هو ليس مسحة سحرية ولكن نعمة ربانية، ننهل منها بقدر ما نستحق ونستعد ، كحال سائر الأسرار المقدسة الأخرى. ولهذا اليوم بعُد جماعي أيضاً بحسب رسالة قداسة البابا فرنسيس للمرضى وبمناسبة اليوم العالمي للأخوة الإنسانية، يتمثَّل بتذكير الجماعة المسيحية مؤمنين وكهنة وراهبات وأقارب، بضرورة عدم الهروب من الأشخاص ذوي الإعاقة او المرضى خصوصاً بالكورونا والخوف منهم، بل إحتضانهم ورعايتهم وزيارتهم وإبداء الدعم والتشجيع لذويهم والقائمين عليهم من الأطباء والمُمرضيين والمُتتطوعين بغض النظر عن ديانتهم او انتمائهم بحسب وصية سيدنا يسوع المسيح: "كُنت مريضاً فزرتموني" (متى 25: 36).

 

 نصلي معاً صلاة الكاهن أثناء إعطاء مسحة المرضى قائلين: بهذه المسحة المُقدسة وبرحمتك الواسعة يا رب، شددنا واعضدنا بنعمة الروح القدس، غافراً لنا خطايانا وخلصنا وعافنا بجودك وكرمك الإلهي آمين.

 

يا شفاء المرضى، صلي لأجلنا