موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
اعتلى عرش روما الامبراطور يوليوس قيصر، الذي كان متعاطفًا مع اليهود قبل تسلّمه للحكم، فقام بتعيين "أنتيباتر" الآدومي حاكمًا على المنطقة سنة 47 ق.م، مع أنّه لم يكن يهوديًّا بل آدوميّ الأصل، من آدوم شرق الأردن. إذًا هو متهوّد دخيل على اليهوديّة، رومانيّ الولاء والتابعيّة. وقد رضخ الأدوميّون بالقوّة للمذهب اليهوديّ تحت التهديد منذ عام 125 ق.م.
لفظة أدوم تعني أحمر، والمنطقة التي سكنها الآدوميّون كلّها حمراء بترابها وحجارتها وصخورها. وينحدر الآدوميّون من سلالة "عيسو" (ابن اسحق ورفقة) الذي كان لون شعره أحمر. ثمّ باع عيسو بكوريّته لشقيقه التوأم "يعقوب"، من أجل صحن عدس. قال عيسو ليعقوب: "أطعمني من هذا الأحمر"، لذلك دُعِي اسمه آدوم أي أحمر (سفر التكوين الفصل 25 الآية 19 وتابع). ويستفاد من الكشوف الأثريّة أن مدنية الأدوميين ازدهرت من القرن الثالث عشر إلى القرن السادس قبل الميلاد.
قسّم أنتيباتر مدن فلسطين بين أبنائه الخمسة، وعيّن هيرودس (الابن الثاني) في الجليل.
كان أنتيباتر والد هيرودس رجلاً طموحًا وثريًّا وعلى رأس الأمّة الأدوميّة، وقد زجّ بنفسه فى الشؤون السياسيّة لليهود. أخوان من العائلة اليهودية الحاكمة، وهما أرستوبولس ويوحنّا هركانُس (40-63 ق.م.)، تنازعا على السلطة وكانت لأرستوبولس الغلبة... وتدخّل أنتيباتر إلى جانب هركانُس، وأصبح المدبّر الفعلي له فيما بعد. أمّا الرومان الذين كانت لهم اليد العليا آنئذٍ، فقد فصلوا في النزاع لصالح هركانس، لكنهم قضوا في الواقع على استقلال اليهود.
وعندما وصل بومبيوس إلى فلسطين 63 ق.م، كان هيرودس الكبير في نحو العاشرة من عمره. وقد أدرك وهو صبي شيئاً عن عظمة روما العسكريّة، وعن حنكة والده أنتيباتر في تعضيده للحكم الروماني، ونتيجة لذلك أصبح لأنتيباتر نفوذًا في الشؤون اليهوديّة. أحبّ الرومان حبًّا جمًّا لأنّه ساعدهم على توطيد حكمهم في البلاد. وهو أحد الوزراء في عهد ثورة مكابي وكان مقرّبًا لأغسطس قيصر. وبعد وفاته تابعت سلالته (التي عُرِفت بالهيرودسيّة) الحكم.
ومع أنّ هيركانُس ظلّ ملكًا بالاسم على الأمة اليهوديّة، ورئيسًا للكهنة، الاّ أنّ السلطة الحقيقية انتقلت إلى يد أنتيباتر، لأنّه كان يعرف اليهود أفضل ممّا يعرفهم الرومان، كما كان مواليًا لسادته الرومان. فيما بعد أصبح هذا هو أساس السياسة التي اتّبعها هيرودس. وقد حاصر بومبيوس أورشالم وقتل الآلاف من سكّانها، بل وتجرّأ على الدخول إلى قدس الأقداس في الهيكل.
وبعد موت أنتيباتر جاء القائد الروماني ماركوس أنطونيوس إلى فلسطين وعيّن ابني أنتيباتر الأكبرين فاسائيل وهيرودس الكبير "رئيسي ربع". ثم قتل فاسائيل نفسه عندما أسره الفرتيّون في أثناء هجومهم على فلسطين. وبعد أن دخل هيرودس الكبير مدينة القدس فاتحًا سنة 37 ق.م بمعونة الرومان، أعلن مجلس الشيوخ الروماني "هيرودس الكبير" ملكًا سنة 40 ق.م.
خاتمة
لكلّ زمان دولة ورجال، ولكلّ زمن ظروفه ومتغيراته. أما الثورات في عالم التكنولوجيا والتقدّم في مجالات الصناعات والمنشآت والمظاهر العمرانية، وثورات الشعوب هي بالتأكيد علامات فارقة ودامغة، ورموز ناطقة بأنّ كل شيء في تغير مستمر، وهكذا هي سنّة الحياة لا تتوقف إلى أن يأتي الديّان العادل في نهاية الأزمنة.
وما علينا إلاّ أن نزرع المحبة والمبادئ والقيم الإنسانيّة. وقبل أن نقف أمام الديان العادل - يُستحسن أن نفحص ضمائرنا. وما أعمق كلمة القديس مكاريوس الكبير "احكم يا أخي على نفسك، قبل أن يحكموا عليك". لأنك حينما تحكم على نفسك، تكون أمامك فرصة أن تصلح نفسك، وتُصحّح ما فيك من أخطاء.