موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
أخبرني يا يوسف الرامي ما جرى تلك الليلة الدهرية، تلك الليلة التي توقف فيها الزمن، عندما صلب المتجسد، وبعد ان أسلم الروح، ووري الثرى، من اجل ان يقوم في اليوم الثالث،
أخبرني كم من زخم الايمان المسيحي اكتنزت في اعماقك حتى امتلكت الجرأة لتطلب جسد يسوع من الذين تواطئوا على صلبه،
أية جرأة الهية حركتك، أي ايمان لا يتزعزع دفعك الى المجازفة بكل شيء؟
أية بسالة مؤيدة بالأيمان العميق جعلتك الا تكترث لما قد يحدق بك من اخطار؟
أي ايمان تختزن في وجدانك؟ أي قناعة تسكن في عقلك؟ واي محبة عظيمة كانت تملأ قلبك؟
أيها المؤمن البار الذي جازفت ووظفت مكانتك فقط لتحفظ كرامة ذاك الجسد الإلهي، هيكل التجسد،
انت الذي ابيت ان يدفن السيد كما يدفن المجرمون، فأكرمته بما يليق بالإله،
أيها الخفر، المحترم من قومك، الذي لم يخشَ أحداً،
أخبرني كيف انزلت الجسد المقدس عن الصليب،
أخبرني كيف اقتلعت المسامير الغليظة من جسد الفادي، تلك المسامير التي دقها اصحاب القلوب الحجرية،
أخبرني يا يوسف الرامي ماذا شعرت وانت تقتلع المسامير من الجسد المقدس، الذي قُدم لنا للعهد الجديد،
والدماء التي سالت وسقت الأرض المقدسة، أرض التجسد، هل أنبتت شقائق نعمان، ام صارت ندبة في قلب الارض؟
أخبرني كيف حملته، وهل شعرت انك تحمل الكون بين ذراعيك؟
أخبرني كيف كفنته وماذا شعرت وانت تلف جسد الرب الفادي بالكتان،
أخبرني يا يوسف كيف دفنته، وكيف دحرجت الحجر،
هل كنت تظن أنك تواري غريباً، ام كنت تعلم يقينا أنك امام ملك المجد؟
كلا، لم تكن تدفن هذا الغريب، بل كنت تعلم كما يعلم من رأى الحق، أنك تضع في قبرك ذاك الرب المتجسد،
لذلك دفنته في قبرك الخاص، المحفور في الصخر،
يقينا أنك كنت تعلم من وضعت وراء الحجر! قل لي بربك ماذا شعرت عندما دحرجته!
يا رفيق الألم، يا رفيق الشدة والخطر، يا شاهد الحقيقة، انت الذي قدمت للكنيسة شهادة في أحلك اللحظات،
لقد نقش اسمك في ذاكرة الأجيال، بما فعلت يوم تخاذل كثيرون،
لقد جازفت بسلامتك وسمعتك من اجل الرب، ووقفت وقفة الشرفاء الخلّص الاوفياء، في اقسى الظروف، عندما سُمّر الفادي على خشبة الصليب، وحين صار القتل مشهدا مألوفا،
أخبرني يا يوسف الرامي، ما عدا والدة الاله، من ذرف الدمع أكثر، انت، ام نيقوديموس، أم حاملات الطيب،
هل بكيتم دمعاً ام دماً؟
هل بكت الأرض معكم؟ هل بكى بنو البشر؟ هل كانوا موقنين مثلكم من كان على الصليب؟
وعندما غربت الشمس وكان المساء، ماذا فعلت، والى اين توجهت؟ ما كانت معاناتك طوال الليل؟ ماذا كابدت خلال الأيام الثلاثة التي تلت؟
هل كنت تتوقع قيامة السيد بعد ثلاثة أيام؟
هل كنت تتوقع ان القبر سيفرغ من ساكنه الالهي؟
يوسف يا ابن الرامة،
يا أوّل حامل للطيب الذي سبق حاملات الطيب، انت الذي حملت الطيب الإلهي، الذي صار طيب المسيح، يا حامل وحارس طيب الجسد الإلهي، لقد خجلت منك الخيانة، ومُحِقَ امامك الجبن،
ما زالت البيعة حتى اليوم تقدس انزالك المصلوب، وتكرم فعلك، فتكرس له الصلاة التي تسبق جناز المسيح،
رتبة انزالك المصلوب موجعة، بقدر رتبة جناز المسيح، وتُحَضّرُ المؤمنين لها،
الترنيمة التي تصف انزالك المصلوب، تعبر عن معاناة تلك اللحظات، حيث تورد أنك
لما شاهدت الشمس قد أخفت اشعتها وحجاب الهيكل قد انشق لموت المخلص،
دنوت من بيلاطس وتضرَّعت اليه صارخاً "أعطني هذا الغريب"
هذا الذي منذ طفوليته تغرَّب كغريب،
طلبت هذا الغريب الذي استغربت مشاهدتك اياه ضيفا للموت،
طلبت هذا الغريب الذي يعرف أن يُقري الفقراء والغرباء،
طلبت هذا الغريب لكي تواريه في لحد لان ليس له أين يسند رأسه،
طلبت هذا الغريب الذي لما رأته أُمه ميتا صرخت يا ابني والهي، ولئن كانت جوانحي تتجرح وكبدي يتمزق عندما أنظرك ميتا، فأنا واثقةٌ بقيامتك وأعظمك،
سوف تمجدك الاجيال يا يوسف الرامي،
كلما حل زمن القيامة
وكلما ذُكرت جريمة الصلب
وكلما دخل ملك المجد الى الهيكل،
وكلما صافح أبناء البيعة بعضهم قائلين "المسيح قام"!