موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ٢٦ فبراير / شباط ٢٠٢٣
زمن الصوم والمحبّة

أشخين ديمرجيان :

 

صام السيّد المسيح أربعين يومًا وأربعين ليلة كي يكون مثالاً نقتدي به. ونقرأ في الكتاب المقدّس أنّ موسى وإيليا صاما أربعين يومًا. وكان الآباء الرسل يصومون قبل اختيار الخدّام ورسامتهم كي يُلهمهم تعالى الاختيار الأفضل والأمثل (أعمال 13: 14). الصوم الجسدي مقدّمة لضبط النفس مع التدرّب على التواضع والمحبّة والعطاء. ولا يكتمل الصيام إلاّ بالتوبة إلى الله مع الندامة الحقيقيّة والصلاة والصدقة.

 

"ثم دعا السيّد المسيح الجمع وقال لهم: اسمعوا وافهموا ليس ما يدخل الفم ينجّس الإنسان، بل ما يخرج من الفم هذا ينجّس الإنسان... ما يخرج من الفم فمن القلب يصدر، وذاك ينجّس الإنسان، لأنّ من القلب تخرج أفكار شريرة: قتل، زنى، فسق، سرقة، شهادة زور، تجديف" (متى 15: 10 وتابع).

 

وهكذا نُدرك أنّ الأفكار السيئة والكلمات الجارحة النابية وتلفيق الأكاذيب التي تخرج من فمنا هي التي تدنّس الإنسان. لذا مطلوب منّا نقاوة القلب قبل كلّ شيء، تنقية الفكر والسموّ بالمشاعر، ضبط اللسان والعينين وسائر الحواس عن الخطيئة. مع الانقطاع عن الطعام والشراب في أوقات معيّنة. فقرة أعجبَتني ولستُ أدري مَن القائل: "الصائم ليس مَن قضى الساعات من غير أكل... ولكن مَن قدّمه للفقير. وليس مَن غيّر أصناف الطعام... ولكن مَن غيّر أفكار القلب. وليس مَن أغلق فمه عن الأكل... ولكنّه مَن أغلق فمه عن الإدانة..".

 

وهذا يذكّرني بلفظة "الأرثوذكسية" “orthodox” المشتقّة من اليونانيّة، وتعني "الطريق المستقيم." وبالمِثل، مقوّم الأسنان يُدعى "الأرثودونت" “orthodont” الذي يوفّر لنا "أسنانًا مستقيمة"، وقسم "الأرثوبيديك" “orthopedic” الذي يحاول تقويم العظام. ولخلاص نفوسنا ينبغي أن نلجأ إلى الكتاب المقدّس وبعد ذلك إلى الآباء "أطبّاء الكنيسة"، للحصول على "أفكار مستقيمة" فيما يتعلّق به تعالى، وبمكارم الأخلاق.

 

زمن الصوم هو الوقت المثالي لقراءة الكتاب المقدّس وحفظ الآيات، لكلّ مَن لم يقرأه من قبل، إذ تبدأ الحياة الإيمانيّة الصحيحة بمعرفة العهد الجديد وقراءته يوميًّا، لأنّ الكتاب المقدّس هو بمثابة "روح اللاهوت " للمؤمن. ويُشير الأرمن إلى الكتاب المقدّس بلفظة تعني "نسمة الله". بالإضافة إلى قراءة كتب الأبرار والقدّيسين المليئة بالبطولات. والسعي بجهد إلى الدفاع عن الحق لأنّ الحق يحرّرنا من الحزن، والخطأ، والخطيئة "تعرفون الحق والحق يحرّركم" (يو 8: 32). كي نعيش الحق، نحن بحاجة إلى الرّقيّ الخلقي والتفكير الصحيح (وهي الأسباب التي تجعل "التقليد الكاثوليكي وشقيقه الأرثوذكسي" غنيًّا في مجال التعليم وفي إنشاء المدارس والجامعات منذ القديم الغابر).

 

 

خاتمة

 

ممارسة الصيام ضرورية ولكن مع الارتباط بالمحبّة. الصيام والمحبّة توأمان لا يفترقان ولا يكتمل أحدهما من غير الآخر. لذلك لِزامٌ علينا أن نمارس المحبّة في زمن الصوم. كما يوصينا السيّد المسيح: "أحبِب قريبك كنفسك". ومن أقوال القدّيس يوحنا فم الذهب في هذا الصدد: "الصّيام وحده لا يُصعِدُك إلى السماء، بل أنت تحتاج معه إلى أجنحة المحبّة".