موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ٨ مارس / آذار ٢٠٢٣
الصوم دواء النفس والجسد

أشخين ديمرجيان :

 

أبدع الشّاعر الفلسطيني القديم سليمان الغزّي (القرن 10-11م) في قصيدة له عن الصيام وممّا جاء فيها: "ليس الصيام عذاب الجسم بالجـوع * ولا كلامـاً لذي جهـلٍ بمسمـوع * لكن صيامـك ترك الشـر، فاتركـه * وأوصل الخير وصلاً غير مقطوع * الصوم صون حواس النفس من ضرر * وليـس ما كان من ضَرٍّ بمنفـوع".

 

لا يُحدّد الإنجيل المقدّس "الصوم" كفريضة. ولكنّ السيّد المسيح بيّن لنا أهمّيّة الصوم بممارسته الصيام أربعين يومًا. وأوضح في تعاليمه أنّ الصوم ينبغي أن تُرافقه الوداعة والتواضع. ولا يأتِ الإنجيل الطاهر على ذكر عدد أيام الصوم، لكن بما أنّ السيّد المسيح صام أربعين يومًا على جبل التجربة، وضعت الكنيسة فيما بعد صيام الأربعين يومًا في الفترة التي تسبق عيد الفصح المجيد.

 

ومن نصائح السيّد المسيح للصائم أن يتحلّى بالفرح والابتهاج، من غير أن يتفاخر بصومه او بممارسته لأعمال الخير: "عندما تصوم، ادهن رأسك واغسل وجهك، لكيلا يظهر للناس أنّك صائم... لأنّ الربّ الذي يرى في  الخفية يُجازيك" (متّى 6 : 16 وتابع).

 

هدف الصيام التعبير عن صدق توبتنا وقهر ميولنا، مع التمسّك بالفضائل وإطعام الجائع وايواء المشرّد والاعتناء باليتيم وإكرام المهمّش ورعاية المسنّ والمريض، وزيارة السجين وتعزية الحزين... كما أنّ الصوم دواء النفس والجسد ومفتاح السماوات. فالصيام يشفي الإنسان من المرض والوهن والضيق: "ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكلّ كلمة تخرج من فم الله" (متّى 4: 4) قالها السيّد المسيح، وهولا ينفي أهمّيّة الخبز لاستمراريّة الحياة، بل يؤكّد ضرورة الاهتمام بالصلاة والصوم لتقوية إرادتنا وتحسين حياتنا الدنيويّة.

 

وأبدع المصريّون بالفصاحة والبلاغة حينما استخدموا لفظة "العيش" بدلاً من الخبز قوتًا للانسان يوميًّا. وعبثاً ننشغل بالغذاء والكساء فقط، فالحياة أكثر من الطعام والشراب: ونفوسنا تذوب عطشى إلى كلمة الله، وأرواحنا تتوق بشدّة إلى التواصل معه وجدانيّاً، عن طريق الصلاة أوّلاً، وبالإحسان الى القريب ثانيًا، وإلاّ فقد الإنسان توازنه الصحّي والنفسي،  ورويدًا رويدًا  صار بالنفس والجسد عليلا ...

 

زمن الصوم يجعلنا نتأمّل بمسيرتنا في الحياة، وبالتجارب التي تعرّضنا ونتعرّض لها خاصة تجربة المادّة، لأنّ الإنسان يُريد أن يأكل الدنيا،  ما له وما ليس له. ويُجرّب الشيطان الإنسان في قضايا الجشع والطمع، أو يُعرّضه لمواقف أخرى غير أخلاقيّة. وتلجأ البِدَع لمثل هذه الأساليب الشيطانيّة وتغري النفوس الضعيفة بالمادّة، مع أنّ المال سيّد ظالم، وحبّ المال "أصل كلّ الشرور" (تيموثاوس  الأولى 6: 10). كما حصل مع الخائن يهوذا الذي أسلم السيّد المسيح إلى كيد خصومه طمعًا بثلاثين من الفضة. ولكن لوعشنا في قناعة يتحوّل المال بين أيدينا الى عبد جيّد مفيد، يخدمنا من غير أن يسيطر علينا أو يتحكّم في مصائرنا.

 

 

مِسك الختام

 

التحرّر من الإنهماك في أمورنا  اليوميّة الدنيويّة ضرورة لا بدّ منها في زمن الصوم، وذلك بلجوئنا إلى الصحراء في ثنايا نفوسنا... كي نسبر أغوارها: ونواجه أنفسنا ونفحص ضمائرنا، ونلتقي مع ذواتنا أوّلاً ومن ثمّ مع الله، ونكتشف الأسباب التي أدّت إلى انحرافنا عن مسيرتنا، ونُقوّم سعينا نحو الكمال ونسدّد فيه خُطانا. قال السيّد المسيح: "طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني".

 

ليكن طعامنا في زمن الصوم الاستماع إلى كلام الله وتلبية مشيئته...