موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
"باب السعادة يُفتح فقط من الخارج؛ ومن يحاول فتحه قسرًا في الاتجاه المعاكس يغلقه للأبد" هذا ما كان يقوله الفيلسوف الدنماركي سورين كيركغور، وقد ذكّرت به، خلال الأيام الماضية، غابرييلا غامبينو، نائبة أمين سرّ الدائرة الفاتيكانية للعلمانيين والعائلة والحياة، في مداخلة لها عبر الفيديو، في ندوة تشكل جزءًا من مسيرة الاستعداد للقاء "Economy of Francesco" الذي سيعقد في أسيزي من التاسع عشر وحتى الحادي والعشرين من تشرين الثاني المقبل.
سلّطت غامبينو الضوء في مداخلتها على أهمية الخير العام، لا كمجموعة خيور خاصة بكل فرد، وإنما كخير لا ينقسم، ويمكن بلوغه وتنميته وحمايته معًا فقط. فهو ليس هدفًا بحدّ ذاته، ولكنه يساعد الإنسان ليحقق ذاته بملئها، وبالتالي لا يمكننا أن نحوّله إلى مجرّد خير اجتماعي واقتصادي بسيط.
وشدّدت على الرابط بين الخير العام والعائلة، التي تقوم على الزواج بين رجل وامرأة، والاقتصاد.
وقالت: إنّ كلمة اقتصاد في الواقع هي كلمة يونانية الأصل "oikia-nomos"، وتشير إلى فن إدارة العائلة والبيت؛ كذلك وبالنسبة للروابط التي تميّزها فإن العائلة قادرة على خلق مواقف فاضلة داخل السوق كالمقاسمة والتضامن بين الأجيال فتجعلها هكذا منتجة للخدمات، وتصبح العائلة بدورها قوّة محركة للنظام الاقتصادي. من جهة أخرى هذا ما أظهرته أيضًا خبرة الوباء، لأن العائلة قد شكّلت المخمَد الذي أخذ على عاتقه التبعات البشرية والاقتصادية الأكثر ثقلاً للأزمة الصحيّة العالميّة.
وشرحت أنّ الاقتصاد الرأسمالي إذ يركّز على تعظيم الربح، فهو لا يقود إلى سعادة الأفراد أو إلى الخير العام، كما أنّه لا يضمن التنمية البشرية المتكاملة والاندماج الاجتماعي، ويترك وراءه على الدوام الفقراء والمهمشين والذين يواجهون الصعوبات منذ فترة طويلة.
وأكّدت أنَّ شراء السلع الكمالية لا يجعلنا أكثر سعادة، لأنَّ الثروة والسعادة هما أمران مختلفان: الأول يسعى وراء المفيد، أما الثاني فيعيش من المبادلة وفي ضوء التضامن. وقالت يدل هذا الأمر على أنه من الضروري، داخل النظام الاقتصادي، حماية العلاقات، وبشكل خاص، الدور الرائد للعائلة، أي مكان العلاقات الأساسية الضرورية لكلِّ فرد ليتمكن من تحقيق شخصيته وهويته ومشروع حياته بالكامل. فالعائلة ليست عبئًا أو تكلفة، بل هي المحرك الرئيسي القادر على تحقيق الاستقرار والأمن والمواقف الفاضلة والداعمة والمجانية التي يمكنها أن تغذي النظام الاقتصادي بشكل فاعل.
وفي هذا السياق، تحدّثت عن خمسة خطوات مهمّة: أولاً التخلي عن المفهوم الفردي للشخص البشري، وثانيًا الاعتراف بالذاتية والأولوية الاجتماعية للعائلة كأساس للخير العام؛ أما الخطوات الثلاثة الأخرى فتتعلّق بتعزيز ظروف عمل تحمي الحياة العائليّة؛ وتنمية اقتصاد لا يضر بالاحتياجات الأساسية للفرد من حيث العلاقات والعائلات، وتجديد النماذج الاقتصادية القائمة أيضًا على سخائنا الشخصي تجاه الأشدّ عوزًا. فكما أظهر الوباء، في الواقع، جميعنا إخوة، وجميعنا مرتبطون ومتصلون، لدرجة أنه إذا شعر شخص ما بألم معين، فإن الجسم الاجتماعي سيعاني بأكمله.
وفي ختام مداخلتها حثّت غامبينو على العمل من أجل سوق يشكل مساحة لقاء بين الناس، تحكمها الثقة والشفافية، وتقوم على أُسس المقاسمة والتضامن والشركة. إذ لا يمكن أن تحكم السوقَ يدٌ خفية، حيث يكون الآخر شخصًا غريبًا مجهول الهوية بلا وجه وإنما يجب أن يكون السوق بيتًا مشتركًا حيث يمكن للجميع أن يقيموا دون أن يتمَّ استبعادهم أو تركهم في الخلف، وحيث يملك كلُّ شخص اسمًا ويمكنه أن يُسمِعَ صوتَه.