موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
حضر مساء يوم الجمعة 24 شباط 2023 البطريرك الكلداني الكاردينال لويس روفائيل ساكو في قاعة كاتدرائية القديس يوسف والقديسة تريزا في بغداد، اللقاء الاسلامي المسيحي الأول معًا مع مريم العذراء (أخوة معًا، سيدتنا مريم العذراء تجمعنا)، بمشاركة وفد فرنسي مع وفد من علماء النجف والمجمع الفقهي العراقي وعدد من السادة الأساقفة وسعادة السفير البابوي في العراق ورجال الدين وراهبات ونشطاء مدنيين.
ألقيت كلمات رئيسة بهذا اللقاء، وفي مقدمتها كلمة البطريرك ساكو وجواد الخوئي والشيخ عبد الوهاب السامرائي. كما تخلل اللقاء قراءة من الانجيل والقرآن وخبرات شخصية وتراتيل دينية واختتم اللقاء بصلاة ابناء ابراهيم. وبعد استراحة قصيرة عقدت ندوة عن مكانة المرأة في الفكر المسيحي والإسلامي.
وإليكم نص كلمة البطريرك ساكو:
مريم حاضرة في التقليد المسيحي والاسلامي، ولها مكانة فريدة، تجمع المسيحيين والمسلمين.
مريم بأصغائها الى كلمة الله، وفهمها إياها، وتطبيقها لها، تدعونا الى الإصغاء لما يريده الله منّا، والأمانة لصوته لنكتشف شيئاً فشيئاً إرادته، على مثالها. يقول البابا فرنسيس: "لنتعلّم من مريم أن نكون أكثر شجاعة في طاعة كلمة الله" (6 أيار 2021).
يُقدِّم القرآن نموذجًا جميلاً للأيمان في شخصي ابراهيم ومريم: ابراهيم يسمع أمر الله ويذهب الى بلاد مجهولة، ويُظهر طاعته بتقديم ابنه ذبيحة لله، لكن الله يمنعه. ومريم تستقبل كلمة الله بثقة فتحبل بيسوع المسيح وتلده بشكل عجائبي. لقد سكب الله عطاياه عليها وجعلها قديسة عظيمة: "تُعَظِّمُ الرَّبَّ نَفْسي وتَبتَهِجُ روحي بِاللهِ مُخَلِّصي…" (لوقا 1/ 46 -47).
من المؤكد ان ثمة اختلافات عقائدية بين المسيحية والاسلام يمكن النظر فيها وفهمها بشكل موضوعي بدون تزمت ولا مجاملة ولا مساومة لترسيخ علاقة صادقة ومتبادلة.
مريم في المسيحية
ماريولوجيا، اي مفهوم مريم مرتبط مباشرة بالمفهوم الكريستولوجي، أعني أن شخص مريم مرتبط بسر المسيح. ينظر المؤمنون الشرقيّون عامة الى وجه مريم باتجاه وجه ابنها يسوع في نظرة روحية شاملة هي عربون السعادة. مريم تضمّ الطفل يسوع الى صدرها بمشاعر الحبّ والحنان الوالدي، وتقدمه للناس بكلماتها وحركاتها.
يجب أن نفهم دورها وعظمتها من خلال علاقتها بابنها وليس خارجاً عنه، وهذا ما ساعدها على تجاوز صعوبات الحياة البشرية والتحديات المأساوية التي واجهها ابنها. يتأسس إيمانها ورجاؤها على ثقتها المطلقة بالله وتسليم ذاتها كاملة له: "أَنا أَمَةُ الرَّبّ فَليَكُنْ لي بِحَسَبِ قَوْلِكَ" (لوقا 1/ 38). هذا ما أجابت به الملاك.
أمام مريم نشعر بقوة حبها وحرية قلبها، وسلام ضميرها، لذا تُعطى الطوبى: "تطوّبني جَميعُ الأَجيال" (لوقا 1/ 48).
مريم في الإسلام
يتكلم القرآن مرات عديدة عن العذراء مريم ولها سورة خاصة "سورة مريم" ويؤمن ببتوليتها وطهارتها الفريدة: "وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ" (آل عمران 42). أنها السيدة الوحيدة التي نالت هذا الإنعام دون سائر النساء. ونكاد نجد كل مراحل حياتها مذكورة: الحَبَل، البشارة، الميلاد، التقدمة الى الهيكل، ورُقادها.. وفي صلاتنا ندعوها: "يا بتولا مُحْصَنة" وفي القرآن: "وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ" (الأنبياء 91).
يروي الازرقي في أخبار مكة: "ان النبي لما دخل الكعبة بعد فتح مكة قال لشيبة.. يا شيبة امحُ كلًّ صورة فيه إلاّ ما تحت يدي. وكانت تحتها صورة عيسى بن مريم وامه". ولمريم مكانة خاصة في التقوى الشعبي الإسلامي، اذ تزور المسلمات المزارات المريمية باستمرار.
مكانة المرأة في المسيحية
أما مكانة المرأة في المسيحية موضوع الندوة التي تتبع هذه الرتبة نقول باختصار:
تعتبر المسيحية الانسان رجلا وانثى خلقهما الله على صورته ومثاله (تكوين 1/26). ولهما نفس الكرامة والحقوق. كان في وسع الخالق ان يعطي آدم زوجات عديدات، لكنه يسلمه امرأة واحدة تناسبه "حواء" ويصرخ: "هذه امرأة، عظم من عظامي ولحم من لحمي" (تكوين 2/ 23).
تعدُّ المسيحية تعدد الزوجات أمرًا مخالفًا للطبيعة البشرية ولإرادة الله.. الزواج بين رجل واحد وامرأة واحدة مصدر استقرار وتناغم.. والمسيحية كعقيدة لا تفضّل الرجال على النساء لا في الارض ولا في السماء.. في الانجيل يسوع اعزب وليس له امتيازات فهو يقول "اتيت لأخدِم لا لاُخدَم" (متى 20/ 28). وكانت له صداقات عفيفة مع عدد من النسوة. المسيحية تفهم العِفّة او البتولية المكرَّسة، نعمة خاصة.
المرأة انسانة كاملة، غير ناقصة العقل والمهارات، والاختلاف في الجنس ليس نقصا إنما تكاملا. للمرأة في المسيحية الحق في الإرث مثل الرجل، وشهادتها مقبولة، ولا توجد شهادة رجل واحد تعادل شهادة امرأتين. عالمنا الحالي تغيير ولا بدّ من اعادة النظر في بعض المفاهيم.