موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
يسعدني أن أحضر حفل افتتاح كرسيّ تحالف الحضارات بالجامعة الأورومتوسطيّة بفاس، والذي سيترأسه البروفسور عبد الحق عزوزي. أتمنّى كلّ النجاح لهذه المبادرة الخيّرة، مقدّما التهاني للبروفسور عزوزي بهذه المناسبة السّعيدة.
لقد ألهمني، في اختيار عنوان مداخلتي، موضوعُ المؤتمر الذي عُقد مؤخرًا في المنامة، البحرين، الذي نظّمه "مركز الملك حمد العالميّ للتعايش السلميّ"، و"النيابة الرسوليّة لشمال الجزيرة العربيّة"، و"جمعيّة الثالوث الأقدس والأسرى" (روما).
إنّ البحث عن الجمال الموجود في الآخر يعني، من بين أمور أخرى، تجاوز "التسامح"، وهو مفهوم ومصطلح لم يتمّ استخدامهما مطلقًا في دائرة الحوار بين الأديان. وإنّ الجهد المبذول للبحث عن الجمال الذي وضعه الله في كلّ شخص وفي كلّ دين وفي كلّ ثقافة والعثور عليه يتجاوز القبول المتبادَل كذلك، الذي هو بلا شكّ أفضل بكثير من التسامح.
إنّ البحث عن الجمال في الآخر يعني أيضاً الاعتراف بما هو صحيح وصالح فيه، وفي ثقافته، وفي دينه إذا كان مؤمنًا، أو في الفلسفة السليمة التي يتبنّاها، إذا لم يكن مؤمنًا بدين.
إنّ الجمال بمعناه الواسع الذي أردت البحث عنه في المسلم هو الذي يأتيه من انتمائه إلى الإسلام، أي لأنه مسلم. وهذا يدلّ على الجمال الموجود في الإسلام بحد ذاته. هذا التأكيد يستبعد أية ترضية أو نزعة توفيقيّة، ولا يسعى مُطلقًا إلى إخفاء الاختلافات اللاهوتيّة العميقة وغير القابلة للتّوفيق بين الدّيانتين أو التقليل من شأنها. ولكن ليس هذا موضوع مداخلتي أو مؤتمرنا.
تمّ إنشاء دائرة الحوار بين الأديان تحت اسم آخر -"أمانة السرّ لغير المسيحيين"- في 19 أيار 1964، خلال المجمع الفاتيكاني الثاني (1962-1965). وأتى إعلان المجمع نفسه بشأن علاقات الكنيسة الكاثوليكيّة مع الدّيانات غير المسيحيّة "حالتنا الراهنةNostra aetate في العام التّالي (28 تشرين الأول 1965). ويُعتبر هذا الإعلان "شرعة الحوار بين الأديان"، الذي تعزّزه الكنيسة الكاثوليكيّة على المستويين المحليّ والعالميّ.
أقدمُ وأهمّ مبادرة للدائرة تجاه المسلمين هي الرّسالة التي توجّهها إليهم منذ عام 1967 بمناسبة شهر رمضان وعيد الفطر الذي يختتمه. ويتمّ إرسال هذه الرسالة إلى جميع البلدان من خلال السفراء البابوييّن ولجان الحوار في المجالس الأسقفيّة. يُعدّ الإفطار الرمضانيّ فرصةً للقاء والمشاركة والفرح لأصدقاء المسلمين من المسيحيين ، الذين يختبرون لطف جيرانهم أو أصدقائهم المسلمين وكرمهم. وهذا جزء من الجمال الموجود في إخواننا وأخواتنا المسلمين.
على مرّ السنين، تمّت إقامة حوار منتظم بين دائرة الحوار بين الأديان، المعروفة سابقًا باسم "المجلس البابويّ للحوار بين الأديان"، وبين العديد من المؤسّسات أو المنظّمات الإسلاميّة، خاصّة في الدول العربيّة.
وكوننا على التراب المغربيّ، فإنّه واجب مُفرِح بالنسبة لي أن أذكر أوًلا زيارة اثنين من الباباوات إلى هذا البلد الكريم: زيارة البابا القديس يوحنّا بولس الثاني سنة 1986، بدعوة من المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني، وزيارة قداسة البابا فرنسيس المالك سعيدًا، يوميّ 30 و31 آذار 2019، بدعوة وترحيب من صاحب الجلالة الملك محمد السادس. وسبب آخر للفرح هو التعاون المتميّز بين دائرتي ومؤسّستين مغربيتين لهما أهميّة كبيرة: "أكاديميّة المملكة المغربيّة" و"الرابطة المحمديّة للعلماء"، يديرهما على التّوالي الصديقان معالي السيد عبد الجليل الحجمري وفضيلة الشيخ احمد العبّادي . ومن الواضح أنّ هذا التعاون يحظى بالنسبة لشركائنا المغاربة بمباركة جلالة الملك، الذي يُسعدني أن أحيّيه من هذا المنبر.
عندما وصلت إلى الدائرة، كانت تُعقد مؤتمرات منتظمة كلّ عامين مع "جمعيّة الدعوة الإسلاميّة العالميّ" الليبية في روما وطرابلس الغرب تباعًا. العلاقات متوقّفة حاليًا بسبب الوضع السياسيّ في البلاد، كما هو معلوم.
وينطبق الشيء نفسه، فيما يتعلّق بطول مدّة التعاون، على الشركاء الإيرانيين للدائرة، أعني "منظّمة الثقافة والعلاقات الإسلاميّة"، طهران، من خلال "مركز الحوار بين الأديان والثقافات" التابع لها. انعقد المؤتمر المشترك الثاني عشر في روما في تشرين الثاني/نوفمبر 2024 حول موضوع "تربية الشباب وخاصة في الأسرة. تحدٍ للمسيحيين والمسلمين". وقد استقبل البابا فرنسيس المشاركين، كما جرت العادة في مثل هذه الحالات، لأنّ تشجيع الباباوات على الاستمرار على طريق الحوار الصادق له أهميّة قصوى بالنسبة لنا، كما بالنسبة لشركائنا.
وتُعَدّ "لجنة العلاقات الدينيّة مع المسلمين"، التي أنشأها البابا بولس السادس في عام 1972 ضمن الدائرة، بمثابة تذكير مهم بالعلاقات الروحيّة التي تجمع المسيحيين بالمسلمين، بحسب عبارة البابا يوحنا بولس الثاني. وهذه اللجنة مساحة تفكير كاثوليكية تضمّ ثمانية مستشارين من القارات الخمس للتفكير في الوضع الراهن للإسلام وفي العلاقة بين المسيحيين والمسلمين في جميع أنحاء العالم.
تمّ إنشاء "المنتدى الكاثوليكي-الإسلامي" في أعقاب خطاب البابا بنديكتوس السادس عشر في ريغنسبورغ. ومنسّقها عن الجانب الإسلاميّ هو سموّ الأمير غازي بن محمد، الأردن. وهذا مثال بليغ يوضح كيف يمكن، بل يجب، مواجهة سوء الفهم بطريقة حكيمة، ما يوسّع مساحات الحوار والصّداقة. وقد تمّ تنظيم مؤتمرين حتى الآن، الأوّل في روما، والثّاني في الأردنّ.
وهناك تعاون ذو دلالة كبيرة بين دائرة الحوار بين الأديان و"رابطة العالم الإسلامي" ومقرّها الرئيسي في مكّة. لا تزال ذكرى الزيارة التي قام بها الكاردينال الراحل جان لويس توران، رئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان آنذاك، إلى المملكة العربية السعودية، في نيسان 2018، والتي حظيتُ بالمشاركة فيها، لا تزال حيّة في ذاكرتي. وكان نيافته حينها مريضًا جدًا، لكنّه أصرّ على القيام بهذه الزيارة التي اعتُبرت تتويجًا لخدمته للحوار. وقد لاحظت بإعجاب وامتنان كبيرين اهتمام مضيفينا السعوديين بالكاردينال توران الذي كان مرضه وتعبه واضحين. إنّ هذا الحسّ الإنساني لدى أصدقائنا في رابطة العالم الإسلاميّ هو جزء من الجمال الموجود فيهم كمسلمين.
يضطرني الوقت المتاح لي إلى الاختصار. هناك شركاء آخرون للدائرة: "مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار بين أتباع الديانات والثقافات" (كايسيد) (البرتغال)، "اللجنة العليا للأخوّة الانسانية" (أبو ظبي)، "مجلس حكماء المسلمين" (أبو ظبي)، "أوقاف العراق"، "المعهد الملكي للدراسات الدينية" (الأردن)، "اللجنة الفلسطينية لحوار الأديان" (رام الله)، "المركز الدولي للحوار بين الأديان" (أستانا، كازاخستان).
وهناك مؤسّسات ومنظّمات تربط الدائرة علاقات تعاون معها، دون أن يكون ذلك بطريقة منتظمة أو دورية: "مؤتمر زعماء الأديان العالمية والتقليدية" (أستانا، كازاخستان)، "إدارة مسلمي القوقاز" (باكو أذربيجان)، "مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان" (قطر)، "منتدى أبو ظبي للسلم" (الإمارات العربية المتحدة)، "مركز الملك حمد العالميّ للتعايش السلميّ" (البحرين).
إنّ الجمال والحقيقة والنُبل الذي جعلها الله في أخي وأختي المسلمة هي هدية لهم ولنا جميعًا. الحمد له تعالى على عطائه، وشكري لكم جميعًا على حُسن استماعكم.