موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
استقبل البابا فرنسيس في القصر الرسولي قبل ظهر اليوم السبت المشاركين في لقاء ينظمه المكتب الوطني للتعليم المسيحي في مجلس أساقفة إيطاليا. وفي بداية كلمته حيا قداسته ضيوفه خاصا بالذكر رئيس مجلس الأساقفة الكاردينال غوالتييرو باسيتي والأمين العام للمجلس المطران ستيفانو روسو، ثم ذكَّر بالاحتفال بالعام الستين على تأسيس المكتب الوطني للتعليم المسيحي والذي شكل وسيلة لا غنى عنها لتجديد التعليم المسيحي عقب المجمع الفاتيكاني الثاني.
ثم أراد الأب الأقدس أن يتقاسم مع ضيوفه ثلاث نقاط آملا أن تساعدهم خلال عملهم السنوات القادمة. وتحدث أولا عن التعليم المسيحي والكرازة فوصف التعليم المسيحي بصدى كلمة الله وموجتها الممتدة لحمل فرح الإنجيل إلى الحياة. وبفضل التعليم المسيحي تصبح النصوص المقدسة الوسط الذي يمكننا الشعور بأنفسنا فيه جزءا من تاريخ الخلاص بلقائنا شهود الإيمان الأوائل. وتابع البابا أن التعليم المسيحي هو الأخذ باليد والمرافقة في هذا التاريخ، كما ويحفز على مسيرة يجد فيها كل شخص إيقاعه الخاص كي لا تكون الحياة المسيحية مسطحة أو متجانسة بل تثمِّن تفرد كلٍّ من أبناء الله. كما وأشار قداسة البابا إلى علاقة التعليم المسيحي بالليتورجيا وواصل متحدثا عن الكرازة فقال إنها شخص، يسوع المسيح، وإن التعليم المسيحي هو فسحة بالتميز للّقاء الشخصي معه، ويجب للتعليم المسيحي أن ينسَج من علاقات شخصية. وتحدث البابا عن معلمي التعليم المسيحي والذين غالبا ما يكونون علمانيين يعملون بسخاء لتقاسم جمال لقاء يسوع. وأراد الأب الأقدس في هذا السياق التذكير ببعض الصفات الضروية للكرازة اليوم والتي تحدث عنها في الإرشاد الرسولي "فرح الإنجيل"، وهي أن تعبِّر عن محبة الله الخلاصية السابقة لكل التزام أدبي وديني، ولا تفرض الحقيقة تاركة المجال للحرية، وتتحلى ببعض نقاط الفرح والتشجيع والحيوية، إلى جانب عدم جعلها الوعظ يقتصر على عقائد فلسفية أكثر منها إنجيلية. ويتطلب هذا من المبشر بالإنجيل إجراءات تساعد على التأهب لقبول البشرى: القرب، الانفتاح على الحوار، الصبر، والترحيب الودي الذي لا يدين.
النقطة الثانية التي أراد البابا فرنسيس التأمل فيها هي التعليم المسيحي والمستقبل، واستعار الأب الأقدس هنا كلمات البابا القديس بولس السادس خلال الجمعية العامة الأولى لمجلس أساقفة إيطاليا عقب المجمع الفالتيكاني الثاني في 23 حزيران يونيو 1966حين دعا إلى النظر إلى المجمع بامتنان لله وثقة في مستقبل الكنيسة، ووصف المجمع بالتعليم المسيحي الكبير للأزمنة الحديثة. وذكَّر البابا فرنسيس أيضا بحديث القديس بولس السادس لمناسبة المؤتمر الدولي الأول للتعليم المسيحي في 25 أيلول سبتمبر 1971 حين شدد على ضرورة أن يفهم التعليم المسيحي بشكل متجدد المواضيع المنطلقة من قلب الإنسان ليعيدها إلى مصدرها الخفي، عطية المحبة التي تخلق وتُخلص. وشدد البابا فرنسيس في هذا السياق على كون المجمع تعليم الكنيسة والذي يجب اتباعه، فمن لا يتبع المجمع أو يفسره بطريقته الخاصة ليس مع الكنيسة. كما وتحدث عما وصفها بالمشكلة التي نعيشها، وذلك في إشارة إلى الاختيارية من نتائج المجمع لافتا الأنظار إلى أن هذا ينطبق على مجامع أخرى لا المجمع الفاتيكاني الثاني فقط. وواصل البابا فرنسيس مؤكدا على أن التعليم المسيحي المستلهم من المجمع الفاتيكاني الثاني هو في إصغاء متواصل لقلب الإنسان في استعداد دائم للتجدد. وهذا ما تُدعى إليه الكنيسة في إيطاليا اليوم أيضا، أي توفير تعليم مسيحي متجدد يلهم المجالات الرعوية المختلفة، أعمال المحبة، الليتورجيا، الثقافة، الحياة الاجتماهية والاقتصاد. وأضاف قداسته أن على التعليم المسيحي قراءة علامات الأزمنة ومواجهة تحديات الحاضر والمستقبل.
ثم كان التعليم المسيحي والجماعة النقطة الثالثة التي أراد البابا فرنسيس تقاسمها مع المشاركين في اللقاء الذي ينظمه المكتب الوطني للتعليم المسيحي في مجلس أساقفة إيطاليا. وأشار إلى هذه السنة الأخيرة التي تميزت بالعزلة والشعور بالوحدة بسبب الوباء، مذكرا بالتأمل المتكرر في حس الانتماء الذي هو أساس الجماعة. وذكَّر البابا بتبعات الوباء وتأثيره على النسيج الحي مغذيا المخاوف والشكوك وعدم الثقة وفقدان اليقين، كما أنه يدعونا إلى إعادة التفكير في كوننا جماعة. وأكد قداسته إدراكنا لعدم القدرة على العمل بمفردنا وأن الأسلوب الأفضل للخروج من الأزمة هو الخروج معا. وأشار إلى أن الجماعة ليست تجمعا لأفراد بل هي العائلة التي نندمج فيها والمكان الذي نعتني فيه أحدنا بالآخر. شدد الأب الأقدس بالتالي على أن التعليم المسيحي والإعلان لا يمكنهما إلا أن يكونا في مركز هذا البعد الجماعي. وأضاف أن هذا هو الزمن لنكون صانعي جماعات منفتحة قادرة على تثمين مواهب الجميع، زمن جماعات إرسالية حرة تسير على درب بشر زمننا منحنية على المهمشين، تنظر إلى الشباب اليائسين، تستقبل الغريب وتمنح الرجاء لفاقدي الثقة، جماعات تعرف كيف تكون قريبة ممن جرحتهم الحياة.