موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الجمعة، ٦ أغسطس / آب ٢٠٢١
6 آب: عيد تجلي السيد المسيح له المجد على جبل طابور

إعداد الأب وليم عبدالمسيح سعيد الفرنسيسكاني :

 

لقد وردت حادثة التجلّي في الأناجيل الأزائية. وأراد ربّنا يسوع المسيح بسر تجلّيه أن يثبّت الرسل في الإيمان بألوهيته كي لا يشكّوا به لدى لرؤيتهم إياه مائتًا على الصليب، ثم ليظهر للجميع أن لا سلطان لأحد أن ينزع عنه حياته دون إرادته. إنّما طوعًا إختار أن يقرّب ذاته للموت حبًّا بنا.

 

إنّ الإنجيل المقدّس لم يطلعنا على إسم الجبل الذي تجلّى المسيح فوقه، غير أن الرأي العام هو أنّه تجلّى على جبل طابور المجاور للناصرة كما يؤيّد ذلك مار هيرونيمس ومار يوحنا الدمشقي وغيرهما. وهذا الجبل كان معتبراً جدّاً بغلبة باراق ودبورة فيه على سيسرا قائد جيوش يابين ملك كنعان. وقد تنبّأ النبي والملك داود قبل ذلك بكثير عن شرف جبل طابور.

 

فعلى هذا الجبل صعد يسوع المسيح، ولمّا صار على الجبل مع بطرس ويعقوب ويوحنا شرع يصلّي. وفيما كان يصلّي تجلّى قدام تلاميذه وأضاء وجهه كالشمس وصارت ثيابه بيضاء كالثلج وشاهدوا عن جانبيه موسى وإيليّا... وقد سمّى الإنجيليون هذه الحالة المجيدة التي تظهر فيها يسوع المسيح على الجبل تجلّياً أعني ظهوراً، لأن المسيح بذلك قد أظهر شيئاً من لاهوته أمام تلاميذه وأشار إلى المجد الذي ستحصل عليه نفوس القديسين بعد القيامة العامة وإلى الخواص الأربع التي ستتمتّع بها أجسادهم إذ ذاك وهي عدم الزوال والخفّة والخرق والبهاء. ثم إنّ الإنجيل يقول: إنّ موسى وإيليّا ظهرا مع المسيح في مجد، وذلك لكي يكونا شاهدين لهذا التجلّي المجيد. أمّا إيليّا فقد أتى من الموضع الذي حُفظ فيه بنفسه وجسده، وأمّا موسى فإنّه قام بجسده وظهر، وهذا وفقاً لقول أغلب المعلّمين. وقد أذن الرب بظهور هذين النيين دون غيرهما، لأنّ موسى يشير إلى الناموس وإيليّا يشير إلى الأنبياء، إذ إنّ الناموس والأنبيلء قد أدّوا شهادة المسيح. ولكي يتأكّد عند تلاميذه أنّه هو المسيح وليس إيليّا أو إرميا أو واحداً من الأنبياء كما كانوا قد سمعوا.

 

واستيقظ الرسل من رقادهم ورأوا مجد سيّدهم وموسى وإيليّا واقفين معه يخاطبانه، ولمّا أزمع هذان النبيّان أن يفارقا يسوع قال له بطرس: "يا معلّم، جيّد ان نكون ههنا، فلنصنع ثلاث مظال لك واحدة ولموسى واحدة ولإيليّا واحدة". وذلك لأن بطرس كان من أشد التلاميذ غيرة على يسوع ولا يحب أن يسمع شيئاً في شأن آلام معلّمه وموته قال هذه الكلمات ليصدّه عن الآلام والموت لأنّه بُهر بتلك الرؤيا السماوية فتكلّم بدون وعيه غير مفتكر في ما يخص خير البشر، ولهذا أضاف لوقا الإنجيلي قائلاً: "لم يكن يعلم ما يقول".

 

وفيما كان بطرس يقول ذلك إذا بسحابة ظلّلتهم وجاء صوت من السحابة يقول:" هذا هو إبني الحبيب الذي به سررت له اسمعوا". ولدى سماع هذا الصوت، سقط التلاميذ على وجوههم وخافوا جدّاً، وذلك لأن الطبيعة البشرية لضعفها لا تقدر أن تثبت أمام الحقائق الإلهية إن لم يعضدها الله كما فعل المسيح وقتئذٍ إذ جاء إليهم ولمسهم بيده وقال لهم: “قوموا ولا تخافوا". ولمّا نزلوا من الجبل أوصاهم يسوع أن لا يعلموا أحداً بما رأوا حتى يقوم من بين الأموات. ويقول لوقا الإنجيلي: إنّهم ولم يخبروا أحدًا في تلك الأيام بشيء ممّا أبصروه.

 

ويعتقد أن في حادث التجلّي هذا ظهورًا جديدًا للثالوث الأقدس. فالآب بالصوت والإبن هو المتجلّي والروح القدس السحابة المنيرة وصوت الهاتف من السماء "هذا هو إبني الحبيب الذي عنه رضيت، فله إسمعوا يعني "ثقوا به ولا ترتابو في ما يقوله لكم"... فهذا هو سر تجلّي ربنا يسوع المسيح المجيد الذي تعيّده الكنيسة المقدّسة في هذا اليوم، وهو رؤيا إلهية تثبّت إيماننا وتوطد رجاءنا وتضرم محبّتنا وتنشىء في قلوبنا خوفًا بنويًا لله أبينا، وتؤكّد مجد المسيح الذي سيحصل عليه أيضًا أولاده الحقيقيون لأنّه حيث يكون الرأس فهناك تجتمع الأعضاء.

 

إن جبل طابور قد تشرّف وتعظّم بتجلي ربنا يسوع المسيح عليه، ولهذا بنى المسيحيون بعد ذلك على قمّته ثلاث كنائس إشارة إلى المظال الثلاث التي أراد بطرس أن يصنعها فيه، وعمّروا إلى جانبها ديرًا ويحجّون إلى هذا الجبل إجلالاً لسر تجلّي رينا يسوع المسيح.