موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ٢٧ ابريل / نيسان ٢٠٢٥
أحد الرحمة الإلهية.. ما هو هذا العيد تحديدًا؟
الأب بشير بدر، المرشد الروحي لعائلات الرحمة الإلهية في الأردن

الأب بشير بدر، المرشد الروحي لعائلات الرحمة الإلهية في الأردن

الأب بشير بدر :

 

عيد الرحمة الإلهية هذا العام 2025، هو مزيج إستثنائي من المناسبات الخاصة والتذكارات المميزة. فهو عام اليوبيل بالنسبة للكنيسة، أي السنة المميزة لنيل الرحمة الإلهية. أنه الوقت الذي تشجع الكنيسة  فيه أبناءها بشكل خاص على طلب نعمة الله ورحمته من خلال الأسرار المقدسة. قال يسوع للقديسة فوستينا "كل من يقترب من نبع الحياة في هذا اليوم سوف ينال مغفرة كاملة لخطاياه وما استحقه من عذاب" (يوميات، رقم 300).

 

ويُصادف هذا العام الذكرى الخامسة والعشرين (اليوبيل الفضي)، لإعلان قداسة الراهبة ماريا فوستينا كوفالسكا وإعلان يوم عيد الرحمة الإلهية، اللذين أعلنهما البابا القديس يوحنا بولس الثاني في 30 أبريل/نيسان 2000. وهي كذلك السنة 25 لإنطلاق حركة عائلات الرحمة في الأردن. وبهذه المناسبة بعث سيادة المطران إياد الطوال جزيل الإحترام رسالة حول عائلة الرحمة الإلهية في الأردن، مشجعًا الكهنة والرعايا والمؤمنين على الإنضمام للحركة ونشرها بين المؤمنين، لما فيها من خير روحي كبير للنفوس والعالم.

 

سأحاول في هذه المقالة تقديم جواب على عدد من الأسئلة حول التعبد للرحمة الإلهية كما طلبها الرب يسوع نفسه. سأنطلق من  يوميات أو مذكرات القديسة ماريا فوستينا كوفالسكا التي تمتلئ بدعوات من الرب يسوع المسيح للاحتفال معه بعيد الرحمة الإلهية العظيم. في مقاطع عديدة، شرح يسوع لها "لماذا"، و"متى"، و"من"، و"ماذا نتوقع" من هذا الإكرام والتعبّد الخاص.

 

أولًا، لماذا طلب يسوع من الكنيسة، من خلال القديسة فوستينا، أن تُنشئ عيد الرحمة؟

 

نقرأ في مذكراتها (رقم 965)، أن الرب يسوع قال لها: تهلك النفوس رغم آلامي المريرة. أعطيها آخر أمل في الخلاص، أي عيد رحمتي. فإذا لم تعبد رحمتي، فستهلك إلى الأبد. يا أمينة سر رحمتي، اكتبي، وأخبري النفوس عن رحمتي الواسعة هذه، لأن اليوم الرهيب، يوم عدالتي، قريب".

 

باختصار، السبب الرئيسي وراء رغبة يسوع في إقامة هذا العيد هو أنه أراد أن "يلقي طوق نجاة"، إن صح التعبير، للنفوس الهالكة، النفوس الغارقة في الخطيئة واليأس. طوق النجاة هذا هو هذا العيد، بكل الوعود العظيمة بالنعم والخيرات التي أرفقها يسوع به. وكما قال للقديسة فوستينا، أراد أن يجعل من هذا العيد "ملجأً ومأوىً" خاصًا "لتعزية" النفوس. "قولي، يا ابنتي، إن عيد الرحمة قد انبثق من أعماق تعزياتي للعالم أجمع" (يوميات رقم 1517).  باختصار، منحنا يسوع هذا العيد راحةً وطوق نجاةٍ للنفوس.

 

 

ثانيًا، "متى" يُحتفل بهذا العيد؟

 

أُعطى السيد المسيح الجواب مباشرةً للقديسة فوستينا في مناسباتٍ عديدة. على سبيل المثال، نجد في مذكراتها رقم 299، أن يسوع قال لها: "أريد أن يكون الأحد الأول بعد عيد الفصح عيد الرحمة". يُسمّى هذا الأحد اليوم في كتاب القداس الروماني "الأحد الثاني من عيد الفصح، أو أحد الرحمة الإلهية".

ثالثًا، "مَن" المدعوّ إلى هذا العيد العظيم، وما نوع "الوليمة" الروحية التي يريد ربنا أن يُقيمها لنا في ذلك اليوم؟

 

عند الرجوع إلى مذكرات القديسة فوستينا، يُفصّل فيها يسوع معنى هذا العيد، والوعود المُعزّية التي أرفقها به. قال الرب يسوع للقديسة فوستينا: "يا ابنتي، أخبري العالم أجمع عن رحمتي التي لا تُدرك. أريد أن يصبح عيد الرحمة ملجأً ومأوىً لجميع النفوس، وخاصةً نفوس الخطاة المساكين... في ذلك اليوم، ستُفتح كل الأبواب الإلهية التي تتدفق منها النعم. لا ينبغي أن تخاف أي نفسٍ من الاقتراب مني، حتى لو كانت خطاياها قرمزية. إن رحمتي هي أعظم من يستطيع أي عقل بشري أو ملائكي أن يدركها طوال الأبدية. كل ما هو موجود انبثق من أعماق رحمتي الكلية الحنان. وكل نفس متحدة بي، ستتأمل بحبي ورحمتي إلى الأبد. انبثق عيد الرحمة من عمق أعماق حناني. أرغب أن يُحتفل به رسميًا في الأحد الأول بعد عيد الفصح. لن تنعم البشرية بالسلام إلا إذا لجأت إلى ينبوع رحمتي" (يوميات رقم 699).

 

من كلمات ربنا هذه، يتضح من هو المدعو إلى عيد الرحمة. يقول بوضوح: ""أريد أن يكون عيد الرحمة ملجأً ومأوىً لجميع النفوس" -أي لجميع النفوس التائبة دون استثناء- ولكن "خاصةً" "للخطاة المساكين". لذا، فإن الضيوف المميزين في عيد الرحمة -الضيوف الذين سيحظون بأكبر قدر من الاهتمام- هم الخطاة المساكين، أولئك الذين هم في أمسّ الحاجة إلى رحمته.

 

هذا يعني، وحدهم الخطاة التائبون هم من سيتمكنون من نيل جميع النعم التي يمنحها يسوع في هذا اليوم المميز. لهذا السبب يطلب منا يسوع أن نستعد لهذا العيد باعترافٍ صالح. كما في مثل الفريسي والعشار، كان العشار هو من عاد إلى بيته "مبرورًا" من صلاته، لأنه لم يأتِ إلى الرب إلا بصرخة بسيطة من قلبه طالبًا الرحمة: "يا رب ارحمني أنا الخاطئ!" (لو ١٨: ٩-١٤).

 

عيد الرحمة مُخصّصٌ لهذه النفوس، النفوس المنفتحة على غفران المسيح ونعمته، لأنها تعلم أنها في أمسّ الحاجة إليه. هذا العيد من أجل الضالين، لعلّهم يجدون الطريق، ومن أجل الذين يكافحون للنمو في الإيمان والرجاء والمحبة، لعلّهم يجدون أنفسهم ويتقوّون. من جهة أخرى، من يعتقد أنه لا يحتاج إلى رحمة الله، لن ينال الرحمة في ذلك اليوم. إنهم كالفريسي في المثل: لا يستطيع الله أن يملأهم بنعمته، لأنهم ممتلئون من ذواتهم!

فما هي إذًا النعم والخيرات التي يريد ربنا أن ينشرها علينا في أحد الرحمة؟

 

قال الرب يسوع للقديسة فوستينا (مذكراتها، رقم 699):

 

"في ذلك اليوم، ستتفجر أعماق رحمتي الحنون، وأسكب فيضًا من النعم على النفوس التي تقترب من نبع رحمتي. ستنال النفس التي تعترف وتتناول القربان المقدس تنال غفرانًا كاملاً للخطايا والعقوبات. في ذلك اليوم، ستُفتح كل الأبواب الإلهية التي تتدفق منها النعم".

 

ما يقدمه لنا يسوع هنا هو تجديد كامل لنعمة المعمودية، وتطهير كامل للنفس وغسلها، مُجدِّدًا فينا جميع مواهب ونعم الروح القدس التي تلقيناها في معموديتنا. والشرط الوحيد هنا هو الإعتراف بندامة صادقة وكاملة. إذا اعترفنا باعتراف صادق استعدادًا للعيد، ثم تناولنا القربان المقدس في ذلك اليوم واثقين برحمته الإلهية، ننال التجديد الروحي الكامل.  

 

إنّ يسوع كريم ورحيم بنا لدرجة أنه في أحد الرحمة، يمنحنا سبيلًا آخر لبلوغ الخلاص الكامل لنفوسنا بالنعمة. إنه لا يطلب منا فعل محبة كاملة لله، أو ندامة كاملة في ذلك اليوم لننال هذه الهبة. كل ما يطلبه هو أن نأتي إليه بثقة ""إن نعم رحمتي تُستمدّ بوعاء وحيد، وهو الثقة. كلما ازدادت ثقة النفس، ازداد  نوالها من النعَم" (مذكرات رقم 1578).

 

والثقة التي يطلبها الرب هي مزيج من "الإيمان" (قبول كل ما كشفه الله من خلال المسيح وكنيسته)، و"الرجاء" (الثقة بوعوده بالغفران، ومعونة نعمته، والحياة الأبدية)، و"التواضع" (الاعتماد على الله لا على أنفسنا للقوة والهداية والخلاص)، و"المحبة" (التمسك بالمسيح بسبب بركاته الموعودة). إن تجديد نعمة المعمودية التي ننالها من التناول المقدس في أحد الرحمة يُقوّينا في كل هذه الفضائل، وخاصةً في محبتنا ليسوع المسيح، فنبدأ بحبه لذاته - لمجد اسمه، وانتشار ملكوته، وتعزية قلبه – ولخير نفوسنا. باختصار، بالثقة نفتح الباب للمسيح ليُفيض علينا بحراً من النعم في أحد الرحمة!

 

وفي الختام، يأتي عيد الرحمة الإلهية هذا العام والكنيسة تعيش في ظلال وأنوار الموت والقيامة بشكل خاص. فقد رحل عن دنيانا البابا فرنسيس هذا الأسبوع، وهو البابا الذي افتتح حبريته بإطلاق يوبيل استثنائي خاص حول الرحمة الإلهية. نذكر كم علم وعمل لأجل هذه الحقيقة المركزية في خبرة الإيمان ورسالة الكنيسة. ونذكر كم سمعناه يكرر هذه الكلمات: "الرب لا يتعب أبدًا من المغفرة، نحن الذين نتعب من طلب المغفرة والذهاب إليه لتلقي عناقه المليء بالحب والرحمة". لذلك نستودعه بين يدي رحمة الرب قائلين باسمه: "يا يسوع الرحوم، إنني أثق بك".