موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
ولدت القديسة مارتينا في روما من والدين مسيحيين، فاهتما بها وربيها على الفضائل المسيحية والتعاليم الإنجيلية المقدسة. كان ذلك في أوائل القرن الثاني، في وقت كان المسيحيون يتحملون الكثير من الاتعاب والاضطهادات في سبيل محبتهم للمسيح، فكانوا يتجمعون في سراديب تحت الأرض كانت معدة لدفن الموتى ليقيموا اجتماعاتهم وصلواتهم والتقدم للأسرار المقدسة، وقد استمر هذا الجهاد منذ عصر الرسل الأطهار وحتى نهاية القرن الثالث، حين تملك الملك البار قسطنطين الذي أعلن المسيحية ديانة مسموحًا بها.
وفي زمن يسير نمت مارتينا في النعمة وكانت تحفظ أجزاء كاملة من الكتاب المقدس، وتردد تسابيح الأنبياء ومزامير داود النبي فصارت قدوة حسنة لكل المؤمنين وأهاج الشيطان عدو كل بر الحاكم الكافر فأرسل وقبض على تلك العذراء مبتغيًا أن يتعرف عليها لعله يكسبها لعبادته وضمها لأهل منزله.
وقفت مارتينا أمام المحفل الوثني والقضاة، وسألها الحاكم: "هل أنت مسيحية حقًا؟". فأجابته قائلة: "أني أشكر الله الذي أنعم على بهذه النعمة، وأني أرثى للذين لم يظفروا بعد بهذه النعمة". فأجابها أحد القضاة قائلا: "كيف لفتاة مهذبة مثلك ذات عقل وشرف وثروة وجمال أن تعبد إلهًا كان مصلوبًا؟ وكيف تؤمنين بأن إنسانًا كان مصلوبًا هو إله! ارجعي إلى عقلك واتركي هذا الضلال وأذهبي لهيكل أبلو الإله الأكرم وقدمي له العبادة، وسوف تنالين من الكرامات والاحسانات ما يفوق العقل!".
فأجابته مارتينا قائلة: "عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد، ولا إله إلا الذي أعبده الذي هو ربي يسوع المسيح، وأني أفتخر بكوني مسيحية، حتى لو أدى هذا إلى تضحيتي بحياتي وسفكت دمي كله حبًا له. هذه هي أعظم سعادتي، وأفخر شرف لي. وأني أتعجب منكم أنتم الحكماء الذين تعبدون تمثالاً من حجر أو نحاس أو خشب قد صنعته أيديكم ثم جعلتموه إلهًا، ولكي تعرفوا بطلان عبادتكم وكذب اعتقاداتكم دعوني أذهب إلى هيكل أبلو وأنا أسحق إلهكم هذا وافنيه".
حينئذ غضب الحاكم، وأمر أن تقاد إلى هيكل ابلو لإجبارها على تقديم العبادة له. وعندما أخذها الجنود وساروا بها في الطريق نظرت من بعيد إلى هيكل أبلو فرفعت عيناها إلى السماء وصلت قائلة: "يا ربي وإلهي ومخلصي يسوع المسيح، الإله الحقيقي، احفظ نفس عبدتك في هذه اللحظة ومجد اسمك أمام هذا الشعب المسكين، وأظهر له أنك وحدك الإله الحقيقي الذي تستحق كل سجود وكل إكرام". وسمح الله في هذه اللحظة أن يحدث زلزالاً قويًا أصاب تلك المنطقة، وهدم جزء من الهيكل وحطم الصنم، فصرخت القديسة مارتينا ممجدة الله.
فأمر القائد بضرب العذراء بقساوة فضربوها بالعصي ضربًا أليمًا ومزقوا وجهها بمخالب حديدية، أما مارتينا فكانت لا تسكت عن الشكر والتسبيح. وظهر الرب يسوع المسيح وأخذ يعزيها ويطمأنها أنها ستنال الظفر وتكلل بأكليل الصبر والجهاد. وتحركت قلوب كثير من الجنود لقوة وبسالة وشجاعة هذه العذراء وتمسكها بمعتقداتها، وتقدموا لها وأخذوا يستفسرون منها عن معتقداتها التي تموت من أجلها، فأخذت تبشرهم بالإله الحقيقي خالق السماء والأرض، وبدأت تشرح لهم الكتاب المقدس، وتعاليم السيد المسيح.
وآمن من هؤلاء الجنود الكثير منهم وطلبوا ان يعتمدوا على اسم المسيح، فكان عذاب القديسة ودمها المسفوك كمياه حيه تسقى البذار الإيمانية، فأثمرت وأخرجت الكثير من الثمار المفرحة. وسمع بهذا كله الحاكم، فأمر بالقبض على كل هؤلاء الجنود وقدمهم للمحاكمة السريعة. أمر بقطع رؤسهم فنالوا أكاليل الشهادة. أما مارتينا فأمر بأن يذهبوا بها لهيكل آخر لتقديم العبادة للوثن، أما هي فرفضت، وصلت إلى المسيح أن يخلصها ويثبتها. فأمر الحاكم بضرب القديسة، فأخذ الجنود يضربونها بقساوة، وعندما تعب الجلادون أمرهم بقطع رقبتها، ونالت إكليل الشهادة عام 228 في مدينة روما.