موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الجمعة، ٧ مارس / آذار ٢٠٢٥
وائل سليمان، المدير العام لكاريتاس الأردن يكتب: الزمن الأربعيني المقدّس
وائل سليمان، المدير العام لكاريتاس الأردن

وائل سليمان، المدير العام لكاريتاس الأردن

وائل سليمان :

 

بدأ الصوم لكن هل بدأنا بعيش روحانيّة الصوم البعيدة كل البعد عن ماذا أكلنا وماذا شربنا!

 

مستمرين في الوعظ من خلف ومن أمام المنابر، لكنّ هل نطبق ونعيش قبل أن نرشد ونوعظ!

 

 

الصلاة

 

نذهب إلى الصلاة ونركع بخشوع، ونرفع الدعاء، ونطلب ونصلي...

 

ولكن متى ستتحول تلك الكلمات إلى أفعال محبة ورحمة!

 

قال الشاب  الغني في الإنجيل: نعم حفظت الوصايا منذ الطفولة.

 

فقال له يسوع: اذهب وبع كل ما تملك وأعطه للفقراء وتعال واتبعني!

 

فلما سمع الشاب الغني هذه الكلمات مضى حزينًا لأنه كان ذا مال كثير!

 

 

أين نحن؟

 

هل نقف عند السطحيات والشكليات والمناسبات، والمراسم والاحتفالات والليتورجيات وننسى الأفعال والقيم والروحانيّات وعمق الأشياء والأحداث وصدق الأقوال؟

 

هل مسموح أو لا للحليب والبيض واللحمة، أو الأفضل القليل من الرحمة والمحبة والعدالة!

 

هل الالتزام بمواعيد الصلوات، أو الالتزام  بمعاملة الناس معاملة بها محبة واحترام ورحمة!

 

 

لنحاول!

 

خلال الزمن الأربعيني المقدّس لماذا لا نحاول.. فقط محاولة عيش:

 

القليل من النفاق والكثير من الصدق! القليل من نقل الكلام والأذية والكثير من الصراحة وبناء العلاقات! القليل من التذمر والإحباط والكثير من الامتنان والشكر! القليل من الإساءة للآخر والكثير من احترام الآخر! القليل من الأنانيّة والكثير من أعمال الرحمة! القليل من الأخذ والكثير من العطاء! القليل من التبذير والكثير من المشاركة! القليل من أفكار الشر والكثير من عيش المحبّة! القليل من محاربة الناس والكثير من عيش السلام!

 

 

فقط لنحاول!

 

في الزمن الحالي ولربما في الزمن الذي سبق وانتهى؛

 

نتغنى بتواضع يسوع، وكبرياؤنا علو الجبال الشاهقة!

 

نتغنى في فقر يسوع، ونحن أغنياء بالمال والعنجهية!

 

نتغنى في حياة يسوع ومحبته للأخرين، ونحن في معركة بين الكراهية والمنافسة والصراع مع الآخر!

 

نتغنى في تعاليم يسوع عن العطاء، وفي حقيقة الأمر نعيش لنأخذ ونأكل ونفترس!

 

نتغنى في الأمثال التي أعطاها يسوع عن السامري الرحيم، وقصة الجندي الذي لم يسامح بالرغم من أن الملك سامحه، وقصة خرج الزارع ليزرع، وقصة الابن الضال... وبالحقيقة نحن نفرّق بين إنسان وإنسان آخر على أساس الدين والعرق والجنس والثقافة! ونحن نطلب المسامحة من الجميع ولا رغبة لدينا بأن نسامح أحد أبدًا! وأرضنا أرض جرداء وصخريّة ومتحجرة ولا تستقبل البذار الطيبة!

 

نتغنى بكلمات التراتيل وعزف البيانو والاوركسترا، ولا أهميّة لعيش تلك الكلمات. المهم أن نرتلها بصوت جميل وشكل جميل!

 

 

نصوم هذا هو المهم !

 

نصوم ونشارك في جميع القداديس لكن:

 

نعامل العاملة التي تعمل في المنزل بدون محبة ودون إعطائها أبسط أنواع الحقوق " حق العامل"!

 

نصوم ونشارك في جميع القداديس، ومن ضربنا على خدنا الأيمن نعاقبه فورًا بضربه في جميع أنحاء جسمه!

 

نصوم ونشارك في جميع القداديس، لكن نتكلم على الآخرين ونتنمر عليهم ونؤلف القصص ونخترع أشياء لم تحصل، لكن المهم أنّنا نصوم ونشارك في القداديس!

 

هل تحولنا من إنسان حقيقي إلى محض من الخيال! كذبة وخدعة! إنسان احتفالات ومناسبات وأزياء تنكرية وألوان مزيفة؟ هل تحولنا إلى مسلسل ممل وقصة سخيفة وفيلم مكرر ومسرح بلا جمهور؟

 

نحن أبناء النور، نحن أبناء القيامة، نحن أبناء الفرح، نحن أبناء الله الذي خلقنا من محبته لنا. شوهنا مع الأسف صورة على "صورته ومثاله"!

 

 

في نهاية الحياة

 

تقول الأم تريزا أنه وفي نهاية حياتنا على الأرض لن نحاسب على عدد الشهادات التي حصلنا عليها، ولا كم من المال قد جمعنا، ولا عدد الإنجازات العظيمة التي حققناها، ولكننا سنحاسب على: كنت جائعًا فأطعمتموني وكنت عريانًا فكسوتموني وكنت مشردًا فأويتموني.

 

الفرصة كل لحظة موجودة.

 

حان الوقت حتى نعاود العودة إلى أصولنا، إلى مبتغانا، إلى حضن الآب، إلى حضن الحقيقة، إلى عيش الكلمة، تطبيق كلمات الليتورجيا. لنحاول دمج حقيقة جذورنا الإلهيّة بواقعنا الإنساني! لنحب حتى بذل الذات بصدق وعفوية وببساطة، حينها فقط نقوم مجدّدًا من بين الأموات ونعيش القيامة.