موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
"هيرودس" ويعني "البطولي"، هو اسم عدد من حكّام وملوك فلسطين الأدوميّين، وفي العهد الجديد ورد ذكر أربعة بهذا الاسم في أثناء الحكم الروماني على فلسطين. هيرودس الكبير ابن أنتيباتر الأدومي هو من أشهر الحكّام في المنطقة، وأوّل الهيرودسيين. وقد رضخ الأدوميّون للمذهب اليهوديّ تحت التهديد منذ عام 125 ق.م.
سنة 47 ق.م عيّن أنتيباتر الأدوميّ ابنه "هيرودس الكبير" حاكمًا (رئيس ربع) على الجليل، حسبما ورد في الانجيل الطاهر: "وَفِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ عَشْرَةَ مِنْ سَلْطَنَةِ طِيبَارِيُوسَ قَيْصَرَ، إِذْ كَانَ بِيلاَطُسُ الْبُنْطِيُّ وَالِيًا عَلَى الْيَهُودِيَّةِ، وَهِيرُودُسُ رَئِيسَ رُبْعٍ عَلَى الْجَلِيلِ، وَفِيلُبُّسُ أَخُوهُ رَئِيسَ رُبْعٍ عَلَى ..." (لوقا 3: 1).
عام 37 ق.م، بعد موت أنتيباتر الأدوميّ، حصل ابنه هيرودس الكبير من زوجته النبطيّة على دعم عسكري من الامبراطور الروماني أغسطس قيصر، وتغلّب على المكابيين الحشمونيين اليهود فيها، وقتل آخر ملوكهم، انتقامًا لأبيه الذي كان المكابيّون قد اغتالوه إذ دسّ له أحدهم (واسمه "مالخوس") السّمّ في الطّعام. وهكذا كانت نهاية العائلة الحشمونية على يد هيرودس.
حاز هيرودس -بتعاونه ومكره الشديد- على عرش الملوكيّة من الامبراطوريّة الرومانيّة، وعُيّن ملكاً رومانيًّا على اليهود مع أنّه ليس بيهوديّ حشمونائي بل متهوّد آدوميّ وفتح القدس سنة 37 ق.م. وبعد وفاته تابعت سلالته (التي عُرِفت بالهيرودسيّة) الحكم. وفي أيام حكم هيرودس وُلد السيّد المسيح ابن مريم العذراء في مدينة بيت لحم، ورد ذلك في الانجيل الطاهر: "وَلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ، فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ الْمَلِك، اذا مجوس ..." (متى 2 : 1).
بسط هيرودس نفوذه على المنطقة الممتدّة من هضبة الجولان شمالاً إلى البحر الميت جنوبًا، وكانت أيّام حكمه تمثل ازدهاراً ثقافياً واقتصادياً، وتمثل الثقافية اليونانية الرومانية في أعماله، وقد كان حليفاً أميناً للامبراطوريّة الرومانيّة، واجه معارضة شديدة من بعض المجموعات اليهوديّة وحاول استرضاء اليهود والتوفيق بينهم وبين الرومان، لكنّه أخفق في ذلك، لأنّه مع اعتناقه للدين اليهودي، بقي في عيون العبرانيين آدوميًّا وثنيًّا غريبًا. كما قام بتقديم المال والحبوب لهم في أثناء مجاعة عام (2ق.م)، وأعاد سنة 19 ق.م بناء هيكل سليمان المدمّر، ومع ذلك ظلّ اليهود يكرهونه ويُعدّونه أجنبيًا.
كان مقرّ هيرودس في مدينة أورشالم، أي القدس، وقد اشتهر بمشاريع البناء الفاخرة التي بادرها في هذه المدينة، ومنها إعادة بناء هيكل سليمان المدمّر كما ذكرنا سابقًا. بنى هيرودس القلعة الواقعة اليوم في باب الخليل (في القدس القديمة)، وبنى حولها ثلاثة أبراج، وكان له في جانب القلعة قصر كبير، كما بنى حصن القدس بالإضافة إلى الملاعب والقصور. وبنى أماكن كثيرة في فلسطين، مدنًا وشوارع وأبنية، لتخليد اسمه، وأنفق على ذلك أموالاً طائلة، وأشهرها مدينة قيصرية على شاطئ البحر المتوسط، وسمّاها كذلك تكريمًا لأوغسطُس قيصر، ورمّم مدينة السامرة وسمّاها سبسطية، أي مدينة أغسطُس نسبة إلى "أغسطُس"، لأنّ "أغسطُس" باللاتيني تُقابل "سيبسطوس" باليوناني، وتعني كلاهما "الجليل أو رفيع الشأن"، وصُكَّت في عهد هيرودس النقود في الأرض المقدّسة.
في المصادر اليهوديّة يُذكر هيرودس كملك مشكوك في شرعيّته، كونه أدوميّ الأب ونبطي الأمّ، بالرغم من تقدير هذه المصادر لأعماله الضخمة في معبد القدس. أمّا في المسيحيّة فيُعدّ هيرودس طاغيًا، إذ يذكر إنجيل متى أنّه أمر بذبح كلّ أطفال بيت لحم عندما علم أنّ المسيح قد وُلد فيها.
ومن بعده جاء ابنه هيرودس أنتيپاس الذي أمر بقطع رأس يوحنا المعمدان ابن زكريّا، لأنّ أنتياس تزوّج "هيروديّا" امرأة أخيه فيليبوس وأخوه هذا على قيد الحياة. فعارضه يوحنا المعمدان: "لا يحقّ أن تكون لك امرأة أخيك" لم تكن تحلّ له فغضب الملك وزجّ "يوحنا" في السجن كي يُسكت صوت الحقّ، ويُخبرنا الإنجيل المقدّس: "إنَّ هِيرُودُسَ كَانَ قَدْ أَمْسَكَ يُوحَنَّا وَأَوْثَقَهُ وَطَرَحَهُ فِي سِجْنٍ مِنْ أَجْلِ هِيرُودِيَّا امْرَأَةِ فِيلُبُّسَ أَخِيهِ" (متى 14: 3). وحاكت هيروديّا المؤامرة بالتعاون مع ابنتها انتقامًا من يوحنا، فأصدر الملك أمرًا بقطع رأس يوحنا في السجن (حوالي سنة 30م)، وأُحضر رأسه على طبق وأهداه إلى الصبيّة، فجاءت به الصبيّة بدورها إلى أمّها والأحداث مذكورة في الانجيل الطاهر (متّى 14 : 6 وتابع).
بناءً على قول المفسّرين من أهمّ الأسباب التي ساهمت بجذب الناس نحو يوحنا بن زكريّا هو هجمومه العنيف على الملك هيرودس أنتيباس والقادة الدينيين من فريسيين وصدوقيين، وإظهاره أخطائهم على العلن وحاجتهم للتوبة كعامّة الشعب، وتلك الجرأة في قول الحقّ كلّفته حياته.
خاتمة
وُلد السيّد المسيح في أواخر أيّام هيرودس الكبير، بعد أن كانت نقمة الشعب عليه، حينما بلغ خوفه من منافسة أعدائه أشدّه. ولذلك أسرع بالأمر بقتل جميع الأطفال في بيت لحم، كي لا ينجو السيّد المسيح... ولا يملك على اليهود ويتربّع على عرش هيرودس (متّى 2).