موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ١٤ أغسطس / آب ٢٠٢٥
انتقالُ العذراء إلى السماء

أشخين ديمرجيان :

 

عيد انتقال مريم العذراء من أقدم الأعياد المريميّة في الكنيسة الأرمنيّة ويأتي في الخامس عشر من شهر آب. ويُعدّ من بين الأعياد الكبيرة الخمسة وهي: الميلاد والغطاس، والفصح، وتجلّي الربّ وعيد الصليب. والطقس الأرمنيّ لا يذكر انتقال العذراء مريم فحسب بل مجيء المسيح بانتقال أُمّه. ويوم الاثنين الذي يلي الأعياد السيّديَّة الخمسة سالفة الذكر يُكرَّس لتذكار الموتى.

 

لقد أرسل الله ملائكته إلى الأرض ليرفعوا أمّنا سلطانة السماء والأرض نفسًا وجسدًا إلى السموات. "وهكذا نالت في الختام، كتتويج سام لامتيازاتها، أن تُحفظ من فساد القبر، وأن تتغلّب على الموت، وهي منتصرة في المجد السماوي" (البابا بنديكتوس السادس عشر).

 

"سيّدة الكروم والثمار والحصائد" إحدى ألقاب مريم العذراء لدى الأرمن، بالاضافة إلى ألقاب أخرى كثيرة. كما أنّ تبريك العنب في هذا العيد تقليد شعبي متوارث، أدخلته الكنيسة الأرمنيّة في صميم الليتورجيا الكنسيّة، وأضْفَت عليه صبغة روحانيّة ومعنًى خلاصيًّا انطلاقًا من نوح الذي زرع الكرمة وانتهاءً بالسيّد المسيح الكرمة الحقيقيّة.

 

تقوم الكنائس الأرمنيّة في كلّ أنحاء العالم، ببركة العنب بعد ذبيحة القداس الالهيّ مباشرة. ويُفتتح التبريك بترنيمة يليها قراءات من العهد الجديد. ثمّ صلاة تبريك العنب من تأليف القدّيس نرسيس شنورهالي، أحد آباء الكنيسة العظام في القرن الثاني عشر للميلاد. وتشمل الصلاة أحداث خلْق الله لجميع النباتات ومنحه تعالى تلك النباتات لأبوَينا الأوّلَين آدم وحواء. وأيضاً عدم طاعتهما لمشيئة الله وحرمانهما من الجنّة. ثمّ تشمل الصلاة مجيء المخلّص وخلاص البشريّة جمعاء من الخطيئة والموت. مع ذكر السيّد المسيح "الكرمة" التي نحن أغصانها (عن يوحنّا 15: 1 وتابع).

 

ومن الجدير بالذكر أن عيد انتقال العذراء يتزامن مع موسم نضج العنب وقطف ثماره ولا علاقة للعيد بصلوات تبريك العنب. كما أنّ الكثير من أبناء الرعيّة الأرمنيّة يمتنعون عن أكل العنب قبل حلول العيد الى حين الاحتفال بالعيد ومراسم بركة العنب وتوزيعه على المؤمنين.

 

تتميّز الروحانيّة الأرمنيّة بإكرام مريم العذراء. لذلك ومع إطلالة المسيحيّة في أرمينيا سنة 301م، في عهد الملك القدّيس ثريثاديس الثّالث وزوجته القديسة أشخين، كرّمت الكنيسة الأرمنيّة مريم العذراء بشكل مُلفت للنظر، حتى أنّ المذابح تحمل دائمًا صورة العذراء مريم والطفل يسوع. وأطلق اسم "الحبل بلا دنس" على رهبنة الأرمن الكاثوليك التي تأسست عام 1847 تيمّنًا بالعذراء مريم. وأطلق الأرمن على بناتهم من أسماء سيّدتنا مريم العذراء وألقابها - وهي كثيرة ومنها: ماري، مارو، مارينه، ميرين، مايــرانـوش (أي أمًّا جميلة)، ماريام، تاكـوهي (سلطانة أو ملكة)، ماكروهـي (الطاهرة)، إسكوهــي (الأمينة)، سربوهي (القدّيسة)، يرانوهي (الطوباويّة)، ديروهي (السيّدة)، ماركاريد (الجوهرة) وهذا الاسم الأخير يقابل اليونانية واللاتينية "مارغاريتا" أي اللؤلؤة، وسواها.

 

خاتمة

 

إنّ إكرامنا للعذراء مريم يحوي أيضًا إكرامًا لكلّ امرأة وأمّ وطفلة، على أن يكون احترام المرأة لنفسها واجبًا أخلاقيًّا متجسّدًا في الواقع. ونطلب شفاعة أمّنا العذراء المُمَجَّدَة التي "أُفيضت عليها النِّعَم فيضًا" أن تُثبّـتنا في الايمان والرّجاء والمحبّة. وأن يعمّ السلام والخير بشفاعتها في جميع أنحاء العالم بدل الحروب والمجاعات. هي الساطعة "كالشمس"، ولا حياة لذي حياة الاّ بنور أمّ "النور" سيّدنا يسوع المسيح منه السلام.

 

كلّ عام وامّنا مريم العذراء تتربّع على عرش قلوبنا الى الأبد، وكلّ عام وأنتم بخير!