موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ٢١ أغسطس / آب ٢٠٢٥
أندريا تورنييلي يكتب: المغفرة الوقائية
كتب مدير التحرير في دائرة التواصل الفاتيكانية، أندريا تورنييلي، مقالًا بعنوان "المغفرة الوقائية"، تناول فيه المفهوم الذي تطرّق إليه البابا لاون الرابع عشر خلال تعليمه الأسبوعي يوم أمس الأربعاء. وأوضح تورنييلي أنّ هذا المفهوم يعكس جوهر الرحمة المسيحية، باعتبارها عناقًا مجانيًا يُمنح بلا شروط مسبقة، مشددًا على أهميته البالغة في ترسيخ السلام.

أبونا :

 

"المغفرة الحقيقية لا تنتظر التوبة، بل تقدم نفسَها كهبةٍ مجانيّة".

 

بهذه الكلمات علّق البابا لاون الرابع عشر على مقطع من إنجيل يوحنا، حيث يصف يسوع وهو يُقدّم الخبز حتى ليهوذا الذي خانه. هذا هو المنطق الإلهي المختلف عن المنطق الإنساني القائل: "افعل شيئًا مقابل شيء". وأوضح البابا أنّ يسوع فعل ذلك "ليس لأنّه تجاهل ما يحدث، بل لأنّه رأى بوضوح. فهم أنّ حرّية الآخر، حتى عندما تضيع في الشرّ، يمكن أن يصل إليها النور بعمل وديع".

 

هذه هي "المغفرة الوقائيّة" – المغفرة التي تأتي أولاً، معانقةً الرحمة، ومن دون أي شرط مسبق. وهذا يشبه تمامًا ما حدث مع زكّا العشّار، الذي تاب لأنّ يسوع دعاه ورحّب به، ودعا نفسه إلى بيته. فكانت الدهشة الكبرى أن الجميع شهدوا هذا الكسر للتقاليد والأعراف الاجتماعيّة المتبعة آنذاك في الناصرة.

 

كم تحتاج حياتنا وعلاقاتنا إلى هذا النوع من المغفرة! كم يحتاج عالمنا إلى هذه المغفرة، التي ليست مجرّد "نسيان" أو "مؤشر ضعف". تتبادر إلى الذهن كلمات نبويّة من رسالة يوحنا بولس الثاني بمناسبة اليوم العالمي للسلام عام 2002، بعد وقت قصير من هجمات 11 سبتمبر الإرهابيّة في الولايات المتحدّة. حينها كان الجميع يتحدثون عن "الحرب الوقائيّة"، ردًا على فداحة الهجوم، بينما أراد البابا التأكيد أنّه "لا سلام بدون عدالة، ولا عدالة بدون مغفرة".

 

قال البابا يوحنا بولس الثاني: "لطالما توقفتُ لأتامل في السؤال الملّح: كيف نُعيد بناء النظام الأخلاقي والاجتماعي الذي عصف به هذا العنف المروّع؟ قناعتي الراسخة، والتي أكّدها الوحي الكتابي، هي أنّ العالم لا يمكن أن يستعيد النظام الذي تعرّض للخلل إلا من خلال رد يجمع بين العدالة والمغفرة. إنّ ركيزتَي السلام الحقيقي هما العدالة، وهذا الشكل المميّز من المحبّة الذي هو المغفرة".

 

ليس الأفراد فحسب، بل أيضًا "العائلات والجماعات والبلدان والجماعة الدوليّة بحاجة إلى المغفرة لتجديد الروابط التي انقطعت، وتخطّي حالات الإدانة المتبادلة العقيمة، والتغلّب على تجربة إقصاء الآخر. إنّ القدرة على المغفرة هي أساس فكرة مجتمع مستقبلي يسوده العدل والتضامن".

 

ومن ناحية أخرى، وكما أوضح البابا يوحنا بولس الثاني، فإنّ غياب المغفرة، خاصة عندما يُوجّج الصراعات المستمرّة، يترتب عليه ثمن باهظ على صعيد نمو الشعوب. إذ تُستنزف الموارد في الأسلحة بدلاً من أن توظّف في التنمية والسلام والعدالة. يا لها من معاناة تلحق بالبشريّة نتيجة لغياب المصالحة! ويا له من تأخير في التقدّم نتيجة لغياب المغفرة! فالسلام هو شرط أساسي للتنمية، لكن السلام الحقيقي لا يتحقق إلا بالمغفرة.

 

واختتم البابا لاون المقابلة العامة موضحًا أنّه بدون مغفرة لن يكون هناك سلام أبدًا. ودعا الجميع إلى يوم صلاة وصوم من أجل السلام يوم الجمعة 22 آب، طالبين شفاعة مريم العذراء، ملكة السلام، وسائلين الله أن يمنح العالم السلام والعدل في زمن تمزّقه الحروب، عالمنا الذي هو بأمسّ الحاجة إلى هذه "المغفرة الوقائيّة".